شروط عقد الزواج في الإسلام

عقد الزواج . معنى الزواج لغةً واصطلاحاً . أركان عقد الزواج . شُروط عقد الزواج . شرائط الانعقاد . شرائط الصحة . شروط النفاذ . شروط اللزوم . المراجع .

عقد الزواج

عقد الزواج من أقدس العقود التي شرعها الله سبحانه وتعالى، فهو عقدٌ متعلّقٌ بشكلٍ مباشرٍ بحرمة الفروج واستحلالها، فعقد النكاح يقلب حال المتعاقدين وأهليهم من الحرمة إلى الحل فور إتمامه، كما أنّه إذا ما تمّ الطلاق بينهما انقلب الحال بينهما من الحلّ إلى الحرمة مرةً أخرى، لذلك فقد عني الإسلام به عنايةً خاصّة، وأولاه أهميّة مقطوعة النظير، حيث وصف الله عقد الزواج في كتابه بالميثاق الغليظ؛ وذلك بقوله في سورة النساء: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا*وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)[١] ولكل ذلك راعى الإسلام كل ما يضمن استمراريّة عقد الزواج، وتكفّل بحفظ من حفظ تلك الرابطة وأعطاها حقّها، وقد شرع الإسلام منظومةً متكاملة من القوانين والأحكام لضمان ذلك، وبناءً على هذا فقط وُجِدت لعقد الزواج مجموعةٌ من الشروط والأركان التي لا يصحّ إجراء عقد الزواج بدونها.


معنى الزواج لغةً واصطلاحاً

الزواج لغةً: مصدر زَوَّجَ، وزوَّج الشيء وزوجه إليه أي ربطه به، وهو بمعنى الاقتران والارتباط، ويُطلق على كلّ واحد من الزوجين اسم زوج إذا ارتبطا بعقد نكاح.[٢]


عقد الزواج اصطلاحاً: هو عقدٌ يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْءٍ بِلَفْظ إنكاح أَو تَزْوِيج أَو بترجمته.[٣]


الشرط: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجاً عن حقيقته.[٤]


أركان عقد الزواج

لعقد الزواج مجموعةٌ من الأركان التي لا يُنعقد إلا بها، وقد اختلف الفقهاء في عدد تلك الأركان، فمهنم من جعلها ركناً واحداً، ومنهم من جعلها أكثر من ذلك، ومن تلك الأركان:

  • صِيغَة العقد: وهو الرُّكنُ الوحيد المُجمَع عليه بين فقهاء المذاهب بما فيهم: أبو حنيفة، وتَتَكوَّنُ الصّيغة من الإيجاب والقَبول، فالإيجاب: هو ما يَصدر من العاقد الأول سواء كان الزوج أو الزوجة أو وليّيهما أو وكيليهما، والقَبول: هو ما يصدر من العاقد الثّاني كذلك وهما فيهما سواء، ويتحقّق الإيجاب والقبول باللّفظ، أي الكلام الذي به يَدلّ ويُعبّر فيه العاقد عن رغبته من إجراء العقد.[٥]
  • المَهر أو الصَّداق: وهو رُكنٌ من أركان عقد النّكاح عند الجمهور وشرطٌ له عند الحنفيّة، والدّليل عليه القرآن والسُّنة النبوية والإجماع، ودليله من القرآن قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ)،[٦] وأما السُنّة: فقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (الْتمسْ ولَو خاتماً مِن حديدٍ)[٧]، وذلك يَدُلُّ على اشتراطه، كما قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (لا يحلُّ نكاحٌ إلا بوليٍّ وصداقٍ وشاهدَي عدلٍ)[٨]، وقد انعقد الإجماع على ذلك، فلا يَجوز التَّراضي على إسقاط المهر من العقد.[٩]
  • العاقِدان: وهما الزَّوج والزّوجة، وكلٌ منهما ركنٌ مُستقلّ بذاته، فلا ينعقد الزّواج بأحدهما فقط إلا إن وُجِد الآخر، ويُشتَرَطُ في الزّوجة أن تكون خاليةً من مَوانِع الزواج الشرعيّة، ومنها مثلاً أن تَكون مُتَزَوِّجَة بغيره، أو مُعْتَدَّة من طلاق لغيره، أو مُطلَّقة منه ثلاث طلقات ما لم تُحَلَّل، أو مُرتَدة، أو مَجوسية، أو وثَنِيَّة، أو أَمَة (عَبْدَةً) والنَّاكِحُ حُر، أو تَكونَ مَحْرَماً له، أو زوجةً خامِسَة، أو يَكونُ مُتَزوِّجاً بأخِتها وغيرها ممّن لا يجمع بينه وبينها، أو تكون مُحْرِمَةً بحجّ أو عمرة.[١٠]
  • الشُّهود: فلا يَنْعَقِدُ النِّكاح إلا بِحُضُور شاهدين من الرجال أو بحضور رجلٍ وامرأتين، ويشترط فيهما أن يكونا مُسلمين بالِغَين عاقِلين حُرَّيْن عَدلَين سَميعَيْن بَصيرَين عارِفَين لِسان المُتَعاقِدَيْن.[١٠]
  • الوَلِيّ: فَلَا يَصح النِّكاح إِلَّا بولِي، لقَوْله تَعَالَى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)،[١١] وقيل إن هذه الاية سبب نزولها: (أن أختَ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ طلَّقَها زوجُها، فتَركها حتى انقَضَتْ عِدَّتُها فخطَبها، فأبَى مَعقِلٌ، فنزَلَتْ: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)[١٢]).[١٣] وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلّم قَالَ: (أَيّمَا امْرَأَة نَكَحَت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ثَلَاثاً).[١٤] فَلَا تَصِحُّ عبارَة الْمَرْأَة فِي عقد الزواج سواءً كان ذلك إِيجَاباً أم قبولاً، فَلا يجوز للمرأة البكر أن تزوّج نَفسهَا بنفسها حتى إن أذن لها الولي بذلك، وَلَا يجوز أن يزوّجها أحد غير وليها لَا بِولَايَة وَلَا بوكالة.[١٥]


شُروط عقد الزواج

تَنقسم الشُّروط في عقد الزواج إلى أربعة أقسامٍ: هي شُروطُ الانعقاد، وشروط الصحّة، وشُروط النَّفاذ، وشُروطُ الجَواز. وقد ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة- إلى اشتراط تلك الشروط في عقد الزواج واختلفوا في تفاصيلها، فالحنفيّة مثلاً جعلوا للزواج ركناً واحداً هو الصيغة، إلا أنّهم لا يعتَبرون باقي أركان عقد النِّكاح التي نصَّ عليها جمهور الفقهاء، بل عَدّوا هذه الشّروط مُندرجةً تحت الشُّروط الأصليّة التي هي أركانٌ عند باقي فقهاء المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، بينما اعتبرها جمهور الفقهاء شروطاً مُستقلَّة لعقد النِّكاح.[١٦]


شرائط الانعقاد

شرائِط الانعِقاد: هي التي يلزم توافرها في أركان العقد مجتمعةً أو منفردة، أو في أسس العقد وركائزه، وإذا تخلّف شرط واحد منها كان العقد باطلاً باتفاق المذاهب الأربعة،[٤] وشرائط الانعقاد نوعان: نَوعٌ يرجِعُ إلى العاقِد نفسه الزوج والزوجة وهو العَقْلُ، فلا يَنْعَقِدُ نِكاح المَجْنون والصَّبي الذي لا يَعْقِل؛ لأنّ العقل من شرائط الأهليّة، ونَوعٌ يرجِع إلى مَكان العقد وهو اتّحاد المجلس، وشرائط الانعقاد أربعةٌ وهي:[١٦]

  • أهليّة العاقدين بالتمييز وصلاحيتهما لوقوع العقد عليهما، فإذا كان أحد العاقدين فاقد الأهليّة للعقد بأن كان مجنوناً أو صغيراً غير مميّز فلا ينعقد الزواج بعبارته كما لا ينعقد منه أي عقدٍ أو تصرفٍ آخر؛ لأنّ فاقد التمييز ليس له إرادة ولا يُتصوَّر منه رضا يعتمد عليه في العقد.
  • اتحاد مجلس العقد: والمقصود باتحاد مجلس العقد أنّ الايجاب إذا صدر من أحد العاقدين فلا يجب أن يوجد من أحدهما ما يدلّ على الإعراض عن إتمام العقد صراحةً أو ضمناً، وألا ينشغل أحدهما بأمرٍ خارجٍ عن موضوع عقد الزواج أثناء إجرائه حتى يصدر القبول؛ لأنه إن وُجِد ذلك يُعدّ فاصلاً للإيجاب فلا يوافق القبول.
  • موافقة القبول للإيجاب ولو بشكلٍ ضمني حتى يتحقق اتفاق الإرادتين الصادرتين من العاقدين على شيء واحد محدّد، فإذا خالف القبول الإيجاب لم ينعقد الزواج، إلا إذا كانت المخالفة تؤدّي إلى جلب خير للموجب فإنّها تكون موافقة ضمنيّة.
  • سماع كل من العاقدين كلام الآخر مع علم القابل أنّ قصد الموجب بعبارته إنشاء الزواج وإتمام العقد، وعلم الموجب كذلك أنّ قصد القابل الرضا به والموافقة عليه.


شرائط الصحة

وشروط الصحة: هي التي يجب أن تتوفّر في العقد حتى يترتب عليه الأثر الشرعي بعد تمامه، فإذا تخلّف شرطٌ واحدٌ منها، كان العقد عند فقهاء الحنفيّة فاسداً، وعند جمهور فقهاء المالكيّة والشافعيّة والحنابلة باطلاً،وشرائط الصحة اثنان، هما:[٤]

  • أن تكون الزوجة غير محرّمة على من يريد الزواج منها بأي سبب من أسباب التحريم المؤبّد أو المؤقّت؛ ومنها مثلاً كما مرَّ سالفاً في ذكر ركن العاقدين أن تَكون مُتَزَوِّجَة، أو مُعْتَدَّة لغيره لم تنتهِ عدّتها الشرعيّة، أو مُطلَّقة منه ثلاث طلقات ما لم تُحَلَّل، أو أن تكون مُرتَدّة، أو غير كتابيّة، أو وثَنِيَّة، أو أَمَة (عَبْدَةً) والنَّاكِحُ حُر، أو تَكونَ مَحْرَماً له، أو زوجةً خامِسَة، أو يَكونُ مُتَزوِّجاً بأخِتها وغيرها ممّن لا يجمع بينه وبينها، فمن عقد على واحدة من هؤلاء ممّن لا يحل له العقد عليهن فزواجه غير صحيح.
  • أن يحضر عقد الزواج شاهدان: وهذا الشرط اشترطه الحنفيّة في حين اعتبره غيرهم ركناً، ويُشترط في الشهود أن يكونا رجلين أو رجلاً وامرأتين؛ لأنه عقد له شأنه ولما يترتب عليه من آثار وحقوق، ولتعلّقه بالأبضاع التي كان الأصل فيها التحريم، ولأنّه يترتب على عدم إعلانه بحضور الشهود أن يشك الناس ويسيئوا الظن إذا رأوا رجلاً يتردد على امرأة بشكلٍ مستمر من غير أن يكونا قد أعلنا زواجهما وشهد على ذلك الناس، وقد ذُكرت شروط الشهود في باب الأركان.[١٦]


شروط النفاذ

أمّا شَروطُ النَّفاذ فمنها: أن يكون العاقِد بالِغاً؛ أما نِكاح الصَّبي العاقِل وإن كان مُنعَقداً إلا أنه غَير نَافِذ، بل نَفاذُهُ يَتَوَقف على إجازَة وَليِّه، ولا يتوقّف على بُلوغِ الصغير، حتى إذا بَلَغ قَبل أن يُجيزَهُ الوَليُّ فإنه لا يَنفَذ بمجرد البلوغ إلا إذا أجازه الصغير بعد بلوغه هو أو وليّه.[١٧]

شروط اللزوم

وشروط اللزوم: هي التي ينبني عليها استمراريّة العقد من عدمها. فإذا تخلّف شرط واحدٌ من هذه الشروط كان العقد جائزاً قابلاً للنفاذ والفسخ، أو غير لازم: وهو الذي يجوز لأحد العاقدين أو لغيرهما فسخه أو طلب فسخه بسبب ذلك الشرط،[٤] وشروط لزوم الزواج يجمعها شرط واحد، وهو ألّا يكون للزوجين أو غيرهما طلب فسخ أو فسخ العقد بعد انعقاده ووقوعه تاماً صحيحاً، أما إن كان لأحد حق فسخه كان العقد صحيحاً نافذاً غير لازم، فلو تزوّجت المرأة ووجدت بزوجها عيباً لا يمكنها أن تعاشره بوجود ذلك العيب إلا بضرر فإنّ زواجها غير لازم؛ لأنّ لها الحق في طلب فسخه، سواء أكان العيب قبل الزواج ولم تعلم به أم حدث بعده ولم ترضَ به.[١٦]


المراجع

  1. سورة النساء، آية: 20-21.
  2. "كتاب لسان العرب-حرف الزاي"، http://library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018. بتصرّف.
  3. شمس الدين الرملي، شرح البيان شرح زبد ابن رسلان، بيروت: دار المعرفة، صفحة 246. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 6532-6533، جزء 9. بتصرّف.
  5. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2943، جزء 4. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية: 4.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 5135.
  8. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن الحسن البصري، الصفحة أو الرقم: 6/260، مرسل ورجاله ثقات رجال مسلم.
  9. أبو محمد القرشي، روضة المستبين في شرح كتاب التلقين (الطبعة الأولى)، صفحة 744، جزء 1. بتصرّف.
  10. ^ أ ب أبو زكريا النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين (الطبعة الثالثة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 43، جزء 7. بتصرّف.
  11. سورة البقرة، آية: 232.
  12. سورة البقرة، آية: 232.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن الحسن البصري، الصفحة أو الرقم: 4529.
  14. رواه الإمام الشافعي، في الأم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 8/611، صحيح.
  15. أبو بكر الحسيني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الخير، صفحة 256، جزء 1. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت ث عبد الوهاب خلاف، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية (الطبعة الثانية )، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 23-50، جزء 1. بتصرّف.
  17. مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 305، جزء 41. بتصرّف.