كم عدد الأشهر الحرم

كتابة - آخر تحديث: الجمعة ٢١ يوليو ٢٠١٩

الأشهُر الحُرُم

الأشهُر الحُرُم هي مجموعة أشهُرٍ كان لها قداسةٌ خاصّة قبل الإسلام؛ فقد كان أساس وجودها منذ زمن الجاهليّة، ثمّ جاء الإسلام فأقرّ تلك القداسة عليها، وأضاف إليها أحكاماً لا ينبغي على أحدٍ تجاوزُها، ورتَّب على من انتهك حُرمتَها عقوباتٍ عديدةً، وقد اكتسبت تلك الأشهُر هذه القداسة والحُرمة من عدّة عواملَ جعلت العرب يُحرّمون القتل فيها، وتجدر الإشارة هنا أنّ الإسلام لم يأتِ لينسف ما كان سائداً في العصر الجاهليّ، أو الأديان والأعراف التي كانت موجودةً قبله بالكليَّة، إنّما أقرَّ منها ما كان مُستحسَناً، والأشهُر الحُرم خيرُ شاهدٍ على ذلك، وسيُعرَض في هذه المقالة عددٌ من أحكام تلك الأشهُر، مع تفصيل أسمائها وكُناها، وسبب تسميتها.


تعريف الشّهر الحرام

الحرام في اللُّغة: مصدرها حَرَمٌ، والحرَم: حرَم مَكَّة وما حولهَا، وحرَم رسُولِ الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلّم: أي الْمَدِينَة، والحرَام: ضدّ الحَلال، والحرَم: ضدّ الحِلّ، وَحُرْمَة الرّجل: هي الَّتِي لَا تحلّ لغيره، وَالْجمع حُرُم، وَلفُلَان حُرْمَةٌ ببني فُلان أَي تحرَم، وحريم الرّجل: مَا يجب عَلَيْهِ حفظه وَمنعه، وأحْرم الرّجل إحراماً من إِحْرَام الْحَجّ، وَقومٌ حُرُم وحُرَام أَي محرَمون.[١]


يعني الإحرام: الدّخول في التَّحْرِيم، فكان الرَّجُلُ يُحَرِّمُ على نفسه النِّكاح والطِّيبَ وأشياء من اللِّباس، كما يُقال: أشْتى: إذا دَخَلَ في الشتاء، وأربع، إذا دخل في الرّبيع، قال الجوهريّ: الحُرْمُ بالضمّ: الإحرام، وأحرَم بالحجّ وبالعُمْرةِ أي باشر أسبابَهُما وشروطَهما.[٢] أمّا المقصود بالشّهرَ الحرام، فقد قيل إنّ سبب تسميته بذلك أنَّ العرب في الجاهلية كانت تُحرِِّم فيه القتال أو القتل، وفيه يضع المقاتلون أسلحتَهم، ولا يَقتُل فيه أحدٌ أحدًا، حتّى إنّ الرجل لو لقي فيه قاتل أبيه أو ابنه ما جاز له أن يقتله، وقيل: سُمِّيت الأشهُر الحرُم بذلك لأنَّ الله عزّ وجلّ حرّم على المؤمنين فيها دماءَ المشركين، والتعرُّض لهم إلّا بخيرٍ.[٣]


عدد الأشهُر الحُرُم

ورد ذكر الأشهُر الحُرُم في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة في العديد من المواضع، وقد جاء كذلك ذكر عددها مُجمَلاً في كتاب الله عزَّ وجلّ ومُفصَّلاً في سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث جاء ذكر عدد الأشهُر الحُرُم في سورة التّوبة في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)،[٤] فيكون عدد الأشهُر بنصِّ كتاب الله اثنا عشر شهراً، ومن تلك الأشهُر أربعةٌ حُرُم.


ذكرت السُّنّة النبويّة تفصيل الأشهُر الحرُم كما أُشير سابقاً، وذلك فيما رواه البخاريّ في صحيحه عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفيّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنَّ الزّمانَ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ، السّنةُ اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ، وذو الحَجةِ، والمُحرَمُ، ورجبُ مضرَ الذي بين جُمادى وشعبانَ).[٥] وقد اختلف العُلماء في المقصود بالأشهُر الحُرُم، ولهم في ذلك قولان، هما:

  • ذهب الجمهور إلى أنّ المقصود بالأشهُر الحُرُم هو ما مرَّ ذِكرُها في الحديث، وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجّة، ومحرم، ثلاثةٌ متوالية وواحد منفرد.
  • ذهب التابعي الجليل الإمام الحسن البصريّ إلى أنّ المقصود بالأشهُر الحُرُم الأربعة الأشهُرُ التي جعلها الله تعالى للمشركين أن يسيحوا فيها آمنين، وهي آخر عشرين يوماً من ذي الحجّة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأوّل، وأول عشرة أيّامٍ من شهر ربيع الآخر.[٦]


أسماء الأشهُر الحُرُم وكُناها

مرَّ أنَّ الأشهُرَ الحُرُمَ أربعةُ أشهُر، وأنّ منها ثلاثةٌ متوالية وواحدٌ منفرد هو شهر رجب، أمّا سبب انفراد الرّابع فقيل: إنّ العرب في الجاهليّة كانت تعتقد حُرمة الأشهُر الحُرُم وتعظيمها، وكانوا حينها يقتاتون في الغالب ممّا يُنتجه الصّيد والإغارة على القبائل فيما بينهم، وكان يشُقُّ عليهم إيقاف الصّيد والقتال ثلاثة أشهُرٍ متواليةٍ، وربّما وقعت حروبٌ في بعض الأشهُر الحرُم، فكانوا يكرهون تأخيرَ حروبهم إلى الأشهُر الحلال، فأخَّروا تحريم شهرٍ إلى شهرٍ آخر،[٧] وممّا ورد في أسماء وكُنى الأشهُر الحُرُم وسبب تسميتها ما يأتي:


شهر رجب المُحرَّم

شهر رجب أحد الأشهُر الحُرُم، ويُقال عنه أيضاً مُضَر، ومن ذلك قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ، السنةُ اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ، وذو الحَجةِ، والمحرَمُ، ورجبُ مضرَ الذي بين جُمادى وشعبانَ)،[٥] أمّا سبب تعليله بقوله: (شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان)؛ فذلك لأنَّ قبيلة ربيعة قبل البعثة كانوا يُحرِّمونَ من الأشهُر غير الثّلاثةِ الماضيةِ شهرَ رمضان، ويُسمُّونه رجباً، وكانت قبيلة مُضَر تُحرِّمُ شهر رجب نفسه، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تِبياناً لرجب المُختلَف فيه: (الذي بين جمادى وشعبان)؛ ليُثبتَ صحّة ما ذهبت إليه مُضر، حتّى أصبح يُكنّى شهرُ رجب باسم قبيلتهم نسبةً لهم[٨].


شهر ذو القعدة المُحرَّم

سُمِّي ذو القعدة بذلك لأنّ العرب كانوا يقعدون فيه عن القتال والتّرحال، وتُلفَظ بالكسر قِعْدَة، وبالفتح ذو القََعْدَة، والجمع: ذوات القعدات، والمثنّى منه: ذوا القَعْدة، وقيل جمْعُهُ: ذوات القَعدة،[٩] وقيل: لقعودهم فيه عن رِحالهم وأوطانهم، وهو الشّهر الحادي عشر من السّنة الهجريّة، وهو أحد أشهُر الحجّ.[١٠]


شهر ذي الحجّة المُحرم

شهر ذي الحجّة هو آخر أشهُر السّنة الهجريّة؛ فهو الشهر الثاني عشر في السنة الهجريّة، وقد سُمِّي بذلك لوقوع مناسك الحجّ فيه،[١١]


شهر المُحرَّم

شهر المُحرَّم أو مُحرَّم هو أوّل الأشهُر في السّنة الهجريّة، فيكون ترتيب الشّهور حسب مكانها في السنة: مُحرَّم، ثمّ رجب، ثمّ ذو القعدة، ثمّ ذو الحجّة، وحسب ابتداء التّحريم كما مرَّ في الحديث: ذو القعدة، ثمّ ذو الحجّة، ثمّ مُحرّم، ثمّ رجب، ويُقال: إنّ الاسم القديم لشهر المُحرَّم هو صَفَر كما يُنسَب لعلماء التأريخ، فقد كان يُعرف عند العرب قبل الإسلام بصفر الأوّل، وذلك تمييزاً له عن صفر الذي يليه -الشّهر الثاني من السّنة الهجريّة- ولذلك أطلقوا على هذين الشّهرين (صفر الأوّل الذي هو محرَم، وصفر الثّاني) اسم الصَّفَرَيْن، ثمّ قيل له: المُحَرَّم؛ كونه من الأشهُر الحُرُم، وربّما ترجع هذه التّسمية الجديدة -أي المحرَم- لصفر الأوّل إلى ما بعد ظهور الإسلام، وذهب بعض علماء اللّغة إلى أنّ المحرَم كان اسمه (موجب)، فلم يكن شهر المُحرَّم يُعرَف بذلك، وإنّما جاءت تلك التّسمية من صفته لحُرمته وحُرمة القتال والصيد فيه، ثمّ غلبت عليه فصارت بمنزلة الاسم العلم عليه.[١٢]


المراجع

  1. أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (1987)، جمهرة العرب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 521، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، أبو عبد الله، شمس الدين (2003)، المطلع على ألفاظ المقنع (الطبعة الأولى)، الإمارات العربية المتحدة: مكتبة السوادي للتوزيع، صفحة 204. بتصرّف.
  3. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 579، جزء 3. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية: 36.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، الصفحة أو الرقم: 4662.
  6. أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، تفسير الماوردي المُسمى النكت والعيون، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 340، جزء 2. بتصرّف.
  7. محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش (1415)، إعراب القرآن وبيانه (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الإرشاد للشئون الجامعية، صفحة 98، جزء 4. بتصرّف.
  8. "الأشهُر الحُرُم - تعريفها - ومضاعفة الثواب والعقاب فيها"، إسلام ويب، 3/4/2002، اطّلع عليه بتاريخ 23/12/2016. بتصرّف.
  9. سعيد بن علي بن وهف القحطاني (2010)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 168. بتصرّف.
  10. محمد رواس قلعجي، حامد صادق قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عمان - الأردن: دار النفائس، صفحة 215. بتصرّف.
  11. عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر النجدي التميمي الوهيبي الأشيقري (1969)، مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام (الطبعة الثانية)، القاهرة - مصر: مكتبة النهضة المصرية، صفحة 76، جزء 1. بتصرّف.
  12. جواد علي (2001)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار الساقي، صفحة 92، جزء 16. بتصرّف.
187 مشاهدة