محتويات
تشريع الزكاة
اقتضت حكمة المولى -عزّ وجلّ- أن يرتبط تشريع الأحكام والفرائض بسلوك العبد وقِيَمه، ومن هنا كانت تشريعات الشعائر التعبديّة في الإسلام لها أبعاد ودلالات كبيرة أوسع من حدود أداء الشعيرة، وهذا من كمال التشريع الربانيّ، إذ تسعى العبادات في الإسلام إلى تشكيل حلقة متكاملة من السلوك القويم في حياة العبد والمجتمع، على اعتبار أنّ الدين الإسلاميّ دين عالمي يشمل كلّ مناحي الحياة، فتصبح العبادات بهذا المفهوم طاقة إيمانية تظهر حقيقتها في أخلاق العبد وتعامله مع ذاته ومع الناس من حوله وفق ما يريد الله تعالى، فالصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وكذلك فريضة الصيام لها أبعادها، وآثارها العظيمة على حياة الفرد والمجتمع، والزكاة تعمل على حماية نفس المُزكّي من الشّح والبخل، وتدفع إلى الإحساس بضعف الآخرين وحاجتهم، وتجعل البركة في الأموال والأرزاق، فما هي الزكاة، وما الحكمة التشريعية من فرضيتها، وكيف يحسب المسلم زكاة ماله؟
تعريف الزكاة لغةً واصطلاحاً
-
تعريف الزكاة لغةً: الزكاة في اللغة لها عدّة معانٍ، وهي مصدر زَكَوَ، وجمعها زَكَوات، وبيان دلالاتها على النحو الآتي:[١]
- التطهير؛ وتصريفات هذا المعنى هي: زَكَى، يُزَكِّي، تَزكيةً.
- الصلاح؛ فيُقال للرجل: زَكِيٌّ؛ أي أنّه رجلٌ تقيّ صاحب صلاحٍ، وأزكِياء؛ أي: أتقياء صالحون.
- النماء؛ فيُقال: زكَا النّبتُ والزّرع يزكو زكاءً؛ أي: ازداد وكثُر ونما، وكلّ ما ازداد ونما وكثُر؛ فهو زكي.
- الأفضل والأليق، يُقال: هذا الأمر لا يزكو؛ أي: أنّه لا يليق.
- الزكاة بهذا المفهوم في لغة العرب موافق لمعناها في الاصطلاح من حيث طهارة المال ونمائه؛ فإذا زكا المال كثُر وبورك فيه، وقال ابن عرفة: سُمِّيت الزّكاة بذلك؛ لأنّ مَن يُؤدّيها يتزكّى إلى الله؛ أي: يتقرّب إلى الله بالعمل الصّالح، وكلّ من تقرّب إلى الله بعملٍ صالحٍ فقد تزكّى وتقرّب إليه، ومن ذلك قول الله تعالى: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى).[٢][٣]
- الزكاة اصطلاحاً: هي حصّة من المال مُقدّرة شرعاً، فرضها الله -تعالى- وفق شرائط خاصة لطائفة مخصوصة، ومُستحقّيها هم من ورد ذكرهم في القرآن الكريم، وهي طهرة للمسلم وتزكية لنفسه وماله،[٤] وفي القرآن الكريم والسنة النبوية قد يُطلق على الزكاة المفروضة صدقةً، ولكنّه يقصد بها الزكاة، قال الله تعالى: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها).[٥][٦]
قيمة وشروط زكاة المال
لقيمة زكاة المال نصاب محدّد شرعاً، ولوجوب زكاته شروط وأحكام ينبغي على المُزكّي الانتباه لها، وبيان ذلك:[٧]
- المال أحد الأصناف التي تجب فيها الزكاة، ولكنّها لا تجب فيه حتى يبلغ النصاب، ويحول عليه الحول، وبانتفاء هذين الشرطين أو أحدهما فلا تجب الزكاة في النقد، ونصاب الأموال يُقاس بنصاب الذهب والفضة، حيث يبلغ نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، ويبلغ نصاب الفضة خمسمئة وخمسة وتسعون غراماً.
- الأحوط للمسلم إذا وجبت عليه الزكاة تقدير نصاب المال المملوك بالفضة؛ لأنّها تبلغ النصاب قبل نصاب الذهب؛ فهي أرخص منه؛ وبناء على ذلك؛ فإذا ملك المرء ما تساوي قيمتة خمسمئة وخمسة وتسعون غراماً من الفضة، واستوفى شرط حولان الحول وجبت فيه الزكاة، وعلى المسلم أن يعلم أنّ قيمة غرام الفضة تختلف ولو شيئاً بسيطاً من وقت لآخر.
- كلّ ما يملكه المسلم من أموال نقدية إذا استوفت شروطها تجب فيه الزكاة، ولو كان مالاً مُدّخراً لزواج، أو تعليم، أو شراء عقار، أو غيره.
- القدر المستخرج من المال الذي وجبت فيه الزكاة هو ربع العُشر؛ أي: 2.5%، وهذا يعني أنْ يخرج المزكّي دينارين ونصف من كلّ مئة دينار، وهكذا.
طريقة حساب زكاة المال
- على المسلم أنْ يعلم في البداية أنّ المال الذي تجب فيه الزكاة يشمل: النقد المعروف، كالدينار والريال وغيرها من العُملات، مع الرواتب الشهريّة، والعائد من إيجار المنازل، وأرباح العروض التجارية، وجميع الأموال التي في الحساب البنكي الجاري، وبعد ذلك تخصم الديون الحالّة.[٨]
- لتوضيح طريقة احتساب الزكاة فإنّ المُزكّي يوم حلول وجوب الزكاة على ماله يقوم بحساب مجموع ما يملكه من النقد، سواءً أكان شيكات، أو أسهم لهما قيمة نقدية، أو رصيد بنكي، أو نقد ورقي، يجمع ذلك كلّه، ويُضيف له مجموع قيمة ما يملكه من ذهب وفضة غير المُعدّ للزينة، وإنْ أراد أضاف إلى المبلغ المجموع القروض التي له عند غيره إنْ كان المقترض معترفاً وقادراً على السّداد عند حلول أجل الدين، وبعد ذلك يخصم مبالغ الديون التي تحلّ عليه خلال السنة نفسها، وبذلك يكون المبلغ الناتج هو الذي تجب فيه الزكاة بمقدار ربع العُشر، وهذا يعني أن يضرب هذا الناتج باثنان ونصف بالمئة، وحاصل هذه العملية الحسابية يكون صافي مال الزكاة الواجب إخراجه.[٨]
- من الطرق الميسّرة لحساب نسبة المال الواجب إخراجها هي أن يقوم المُزكّي بقسمة المال الذي وجبت فيه الزكاة على أربعين، ويكون الناتج هو مقدار الزكاة، ومن الأمثلة على هذه الطريقة:[٧]
- لو كان المال الواجب فيه الزكاة عشرون ألف دينار مثلاً، يًقسم هذا الرقم على الرقم أربعين؛ فيكون الناتج خمسمئة دينار، وهذا الناتج هو مقدار الزكاة الواجبة من ذلك المال.
- لو كان المال الواجب فيه الزكاة خمسة وثلاثون ألف دينار مثلاً، يُقسم هذا الرقم على الرقم أربعين؛ فيكون الناتج ثمانمئة وخمس وسبعون، وهذا الناتج هو مقدار الزكاة الواجبة من ذلك المال.
المراجع
- ↑ الخليل الفراهيدي، العين، بيروت: دار الهلال، صفحة 394، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة الليل، آية: 18.
- ↑ أحمد الهروي (1999)، الغريبين في القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 825، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ صالح السدلان، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 59. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 103.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، "تعريف الزكاة"، www.al-islam.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الرحمن الدوسري (30-7-2013م)، "الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب صالح الفوزان، "كيف تحسب زكاة أموالك"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.