الأشهر الحرم

يختار الله -تعالى- من الأمور ما يشاء ويفضّل بعضها على بعض بحكمته وإرادته، فقد فضّل الله -تعالى- القرآن الكريم على سائر الكتب، وفضّل فيه آية الكرسي على سائر آياته الأخرى، وفضّل ليلة القدر على غيرها من الليالي، وفضّل يوم الحجّ الأكبر على غيره من الأيّام، وكذا كانت سنّته أيضاً في تفضيله للأشخاص، فقد فضّل بعض الأنبياء على بعض، واختصّ بعضهم بميّزات وخصائص عن الآخرين، ومن ذلك أيضاً أن فضّل الله -تعالى- أربعة أشهر من أشهر العام على سائر شهوره، فجعل لها ميزات خاصّة وأحكام مختلفة؛ وهي الأشهر الحُرم التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم).[١][٢] فعدّة الشهور في الإسلام اثنا عشر شهراً، هي على الترتيب: محرّم، وصفر، وربيع الأوّل، وربيع الثّاني، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذو القعدة، وذو الحِجّة، ميّز الله منهنّ أربعة تسمّى بالأشهر الحرم، وهي: محرّم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحِجّة، ورد ذكرها في قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الزَّمانَ قدِ استدارَ كهيئتِهِ يومَ خلقَ اللَّهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عشرَ شهراً، منها أربعَةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالِياتٌ: ذو القِعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمحرَّمُ، ورجَبُ مضرَ الذي بينَ جُمادى وشعبانَ).[٣][٢][٤] وكان تعظيم الأشهر الحُرم وتحريمها من دين إبراهيم عليه السّلام، وورثت العرب ذلك عنه فكانوا يحرّمون القتال فيه ولا يجوّزونه، إلّا أنّ كثرة حروبهم وحرصهم على القتال جعلهم يتلاعبون فيها أحياناً، فينقلونها من شهر لآخر، وربما انتهى بهم المطاف لتحريم شهر ليس بحرام أو تحليل شهر حرام، وقد يجعلون العام ثلاثة عشر شهراً؛ أي يزيدونه شهراً أحياناً.[٢] تتمثّل حُرمة الأشهر الحُرم في تعظيم الأجر والجزاء فيها على الأعمال الصالحة وسائر الطّاعات، كما تختصّ بمضاعفة الإثم والذنب الحاصل من الإنسان فيها، وشبّه العلماء ذلك بما يكون من مضاعفة الأجور على الطّاعات وتعظيم الآثام على الذنوب في البلد الحرام، ولذلك جاء النّهي في القرآن الكريم عن الظلم فيها، ومع أنّ العلماء اختلفوا في تفسير هذا النّهي هل هو نهي عن الظلم في سائر الشهور أم في الأشهر الحرم بشكل خاصّ، إلّا أنّ بعضهم رجّحوا أنّه خاصّ بالأشهر الحُرم؛ لأنّها أقرب مذكور على الضمير الذي ارتبط بالنّهي في الآية الكريمة.[٥] والظلم مذموم في الإسلام في كلّ شهور العام، إلّا أنّه يكون آكد وأشدّ في الأشهر الحُرم الأربعة، وذلك لأنّ الكفار وقعوا في انتهاك حُرمة الأشهر الحُرم، فجاء الإسلام يعظّم انتهاك حرمتها بزيادة الإثم الواقع على مرتكب الذنب فيها، ولا يكون ذلك التشديد وتلك المضاعفة للأجور والآثام متعلّقة فقط بالحُجّاج أو المعتمرين أو مَن كان في محيط المسجد الحرام، بل هي واقعة وممتدة إلى كلّ مكان آخر.[٢] وأمّا ما يتعلّق بالقتال في الأشهر الحُرم فاتفق العلماء على جواز قتال الكفار فيهنّ بغير ابتداء، أي إذا بدأ الكفار القتال في الأشهر الحُرم جاز للمسلمين أن يردّوا عليهم بالمثل فيهنّ حينها، إلّا أنّهم اختلفوا في جواز البدء بالقتال أو حرمته في هذه الأشهر، فاستدلّ القائلون بجوازه بالآية الكريمة التي جاء فيها: (وقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً)،[٦] وقالوا أنّ هذه الآية ناسخة لحكم تحريم القتال ابتداءً في الأشهر الحُرم، وأمّا القائلون بالحُرمة فلم يسلّموا بالنسخ وقالوا إنّ ابتداء القتال في الأشهر الحُرم محرّم بآية: (لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ)،[٧] والقول بالتحريم هو ما رجّحه ابن عثيمين والشوكانيّ وابن باز رحمهم الله، وأمّا الصيد في الأشهر الحُرم فهو جائز ولا حُرمة فيه، إلّا ما كان في المسجد الحرام أو في حدوده.[٥] إنّ العلماء القائلين بحُرمة بدء القتال في الأشهر الحُرم أنّ من حِكمة ذلك تمكين الناس من إقامة الدين والقيام بالشعائر الإسلاميّة، ففي الأشهر الحُرم تُقام شعيرتان كبيرتان من شعائر الإسلام وهما عبادتان شاقّتان فيهما من الجهاد الشيء الكثير، هما: صيام رمضان، وحجّ البيت في شهر ذي الحِجّة، ولن يستطيع الناس القيام بتلك العبادات الكبيرة إلّا إذا انتشر الأمن والأمان، ومن الحِكم أيضاً تمكين المسلمين والكفّار من تقييم أوضاعهم، فيتوقف القتال إلى أن يتمكّن المسلمون من ترتيب أمورهم القتالية وغيرها، ويعطون بذلك فرصة للكفّار لعلّهم يتراجعون عن قتالهم للمسلمين ويدخلون في الإسلام، كما أنّها تعطي الفرصة للفريقين أن يتركوا الحرب ويوقفوها إن كان ذلك خيراً لهم، فقد يرى أحدهم أنّ في إيقاف الحرب خيراً له إلّا أنّه يخشى أن يُوصف بالجبن والخوف، فتكون تلك الأشهر بمثابة فرصة لوقفها وإعادة النظر فيها من كلا الجانبين.[٢] على المسلم أن يعظّم ما عظّمه الله تعالى، وفي فعل ذلك دلالة على التقوى، حيث قال الله عزّ وجلّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب)،[٨] ومن تعظيم الأشهر الحُرم:[٢] تم الإرسال بنجاح، شكراً لك!

الأشهر الحرم

الأشهر الحُرم

يختار الله -تعالى- من الأمور ما يشاء ويفضّل بعضها على بعض بحكمته وإرادته، فقد فضّل الله -تعالى- القرآن الكريم على سائر الكتب، وفضّل فيه آية الكرسي على سائر آياته الأخرى، وفضّل ليلة القدر على غيرها من الليالي، وفضّل يوم الحجّ الأكبر على غيره من الأيّام، وكذا كانت سنّته أيضاً في تفضيله للأشخاص، فقد فضّل بعض الأنبياء على بعض، واختصّ بعضهم بميّزات وخصائص عن الآخرين، ومن ذلك أيضاً أن فضّل الله -تعالى- أربعة أشهر من أشهر العام على سائر شهوره، فجعل لها ميزات خاصّة وأحكام مختلفة؛ وهي الأشهر الحُرم التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم).[١][٢]

فعدّة الشهور في الإسلام اثنا عشر شهراً، هي على الترتيب: محرّم، وصفر، وربيع الأوّل، وربيع الثّاني، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذو القعدة، وذو الحِجّة، ميّز الله منهنّ أربعة تسمّى بالأشهر الحرم، وهي: محرّم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحِجّة، ورد ذكرها في قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الزَّمانَ قدِ استدارَ كهيئتِهِ يومَ خلقَ اللَّهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عشرَ شهراً، منها أربعَةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالِياتٌ: ذو القِعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمحرَّمُ، ورجَبُ مضرَ الذي بينَ جُمادى وشعبانَ).[٣][٢][٤]

وكان تعظيم الأشهر الحُرم وتحريمها من دين إبراهيم عليه السّلام، وورثت العرب ذلك عنه فكانوا يحرّمون القتال فيه ولا يجوّزونه، إلّا أنّ كثرة حروبهم وحرصهم على القتال جعلهم يتلاعبون فيها أحياناً، فينقلونها من شهر لآخر، وربما انتهى بهم المطاف لتحريم شهر ليس بحرام أو تحليل شهر حرام، وقد يجعلون العام ثلاثة عشر شهراً؛ أي يزيدونه شهراً أحياناً.[٢]


خصوصيّة الأشهر الحُرم

تتمثّل حُرمة الأشهر الحُرم في تعظيم الأجر والجزاء فيها على الأعمال الصالحة وسائر الطّاعات، كما تختصّ بمضاعفة الإثم والذنب الحاصل من الإنسان فيها، وشبّه العلماء ذلك بما يكون من مضاعفة الأجور على الطّاعات وتعظيم الآثام على الذنوب في البلد الحرام، ولذلك جاء النّهي في القرآن الكريم عن الظلم فيها، ومع أنّ العلماء اختلفوا في تفسير هذا النّهي هل هو نهي عن الظلم في سائر الشهور أم في الأشهر الحرم بشكل خاصّ، إلّا أنّ بعضهم رجّحوا أنّه خاصّ بالأشهر الحُرم؛ لأنّها أقرب مذكور على الضمير الذي ارتبط بالنّهي في الآية الكريمة.[٥]

والظلم مذموم في الإسلام في كلّ شهور العام، إلّا أنّه يكون آكد وأشدّ في الأشهر الحُرم الأربعة، وذلك لأنّ الكفار وقعوا في انتهاك حُرمة الأشهر الحُرم، فجاء الإسلام يعظّم انتهاك حرمتها بزيادة الإثم الواقع على مرتكب الذنب فيها، ولا يكون ذلك التشديد وتلك المضاعفة للأجور والآثام متعلّقة فقط بالحُجّاج أو المعتمرين أو مَن كان في محيط المسجد الحرام، بل هي واقعة وممتدة إلى كلّ مكان آخر.[٢]

وأمّا ما يتعلّق بالقتال في الأشهر الحُرم فاتفق العلماء على جواز قتال الكفار فيهنّ بغير ابتداء، أي إذا بدأ الكفار القتال في الأشهر الحُرم جاز للمسلمين أن يردّوا عليهم بالمثل فيهنّ حينها، إلّا أنّهم اختلفوا في جواز البدء بالقتال أو حرمته في هذه الأشهر، فاستدلّ القائلون بجوازه بالآية الكريمة التي جاء فيها: (وقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً)،[٦] وقالوا أنّ هذه الآية ناسخة لحكم تحريم القتال ابتداءً في الأشهر الحُرم، وأمّا القائلون بالحُرمة فلم يسلّموا بالنسخ وقالوا إنّ ابتداء القتال في الأشهر الحُرم محرّم بآية: (لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ)،[٧] والقول بالتحريم هو ما رجّحه ابن عثيمين والشوكانيّ وابن باز رحمهم الله، وأمّا الصيد في الأشهر الحُرم فهو جائز ولا حُرمة فيه، إلّا ما كان في المسجد الحرام أو في حدوده.[٥]


الحِكمة من حُرمة ابتداء القتال في الأشهر الحُرم

إنّ العلماء القائلين بحُرمة بدء القتال في الأشهر الحُرم أنّ من حِكمة ذلك تمكين الناس من إقامة الدين والقيام بالشعائر الإسلاميّة، ففي الأشهر الحُرم تُقام شعيرتان كبيرتان من شعائر الإسلام وهما عبادتان شاقّتان فيهما من الجهاد الشيء الكثير، هما: صيام رمضان، وحجّ البيت في شهر ذي الحِجّة، ولن يستطيع الناس القيام بتلك العبادات الكبيرة إلّا إذا انتشر الأمن والأمان، ومن الحِكم أيضاً تمكين المسلمين والكفّار من تقييم أوضاعهم، فيتوقف القتال إلى أن يتمكّن المسلمون من ترتيب أمورهم القتالية وغيرها، ويعطون بذلك فرصة للكفّار لعلّهم يتراجعون عن قتالهم للمسلمين ويدخلون في الإسلام، كما أنّها تعطي الفرصة للفريقين أن يتركوا الحرب ويوقفوها إن كان ذلك خيراً لهم، فقد يرى أحدهم أنّ في إيقاف الحرب خيراً له إلّا أنّه يخشى أن يُوصف بالجبن والخوف، فتكون تلك الأشهر بمثابة فرصة لوقفها وإعادة النظر فيها من كلا الجانبين.[٢]


كيفيّة تعظيم الأشهر الحُرم

على المسلم أن يعظّم ما عظّمه الله تعالى، وفي فعل ذلك دلالة على التقوى، حيث قال الله عزّ وجلّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب)،[٨] ومن تعظيم الأشهر الحُرم:[٢]

  • ترك الشرك بالله، فلا يتخذ الإنسان مع الله شريكاً لا بعبادة ولا بنيّة ولا برجاء أو خوف أو غير ذلك.
  • ترك ظلم الإنسان لغيره من الناس أو البهائم؛ لأنّ الظلم ظلمات يوم القيامة، ومن ذلك أن يسلم لسانه من الخوض في أعراض الناس.
  • ترك ظلم الإنسان لنفسه بتجنيبها المعاصي وإلزامها حدود الله وأوامره ونواهيه.
  • الاجتهاد في فعل الطاعات والقيام بالواجبات والبحث عن أبواب الخير والمعروف.


المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 36.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح "الأشهر الحُرم"، www.ar.islamway.net، 2016-10-4، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-26. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن نفيع بن الحارث الثقفي، الصفحة أو الرقم: 5550، صحيح.
  4. "تفسير قوله تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-26. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رضوان بن أحمد العواضي، "الأشهر الحُرم؛ الجائز والممنوع"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-26. بتصرّف.
  6. سورة التوبة، آية: 36.
  7. سورة المائدة، آية: 2.
  8. سورة الحج، آية: 32.