محتويات
الذكاء الاجتماعي
قد يُصاب بعض الأشخاص بالفزع عندما يُدعون لحضور حفلٍ جماعيّ واجتماع يضمّ الكثير من الأشخاص الغرباء، وهذا الشعور الذي ينتاب البعض يحدث معهم نتيجة عدم قدرتهم على التعايش مع الآخرين ومخالطتهم، والارتباط بهم، ورغم أنّ الإنسان قد خلقه الله سُبحانه وتعالى وأعطاه القدرة على التعايش مع الآخرين فهو كائنٌ اجتماعي لديه من الإمكانيات ما تجعله أكثر سعادةً في حياته عند تواجده في مجتمعٍ متآلفٍ متحاب، فما هو الذكاء الاجتماعي الذي يجب أن يتصف به الشخص الناجح في جميع جوانب حياته المختلفة؟[١]
يُعدّ مفهوم الذكاء الاجتماعي أحد أهمّ القدرات الأساسية التي يتميز بها الإنسان، والتي هي العنصر المهم في العلاقات الإنسانية، وأفضل فهم للذكاء الاجتماعي أن ينظر الإنسان إليه على أنّه واحدٌ من مجموعة قدراتٍ متداخلةٍ؛ فالذكاء البشري ليس سمة واحدة، وإنما هو أنماط متعدّدة، وعلى هذا النحو فهو له ستة أنواعٍ رئيسية: الذكاء المجرد، والذكاء الاجتماعي، والذكاء العملي، والذكاء العاطفي، والذكاء الفني، والذكاء الحركي.[٢]
تعريف الذكاء الاجتماعي
الذكاء الاجتماعي هو مجموعةٌ من المهارات التي تجتمع مع بعضها البعض، لتجعل الفرد قادراً على الارتباط مع الآخرين، ولديه القدرة على التواصل معهم بفعاليةٍ عاليةٍ؛ فعندما يكون الإنسان قادراً على فهم عقله وذاته، ويحاول التعايش معها فهو بذلك يملك قدرةً كبيرة، أمّا إن كان قادراً على التعايش، والتواصل مع الآخرين، والتعامل معهم بنجاحٍ في وقتٍ واحدٍ، فهو بذلك يمتلك قدرةً أكبر منه، وهي تُعبر عن ذكاءٍ صادرٍ منه، وهي علامةٌ من علامات العبقرية؛ وذلك لأنّ الأذكياء اجتماعياً يستخدمون كافة ما لديهم من طاقاتٍ كامنة، وإمكانياتٍ كبيرة، جسدية وعقلية للتواصل مع الآخرين، ومحاولة قراءة أفكارهم، ومساندتهم، وتشجيعهم على النجاح، والإبداع في حياتهم، وتكوين صداقاتٍ جديدة، وزيادة حلقة الصداقة مع الآخرين، والمحافظة عليها.[٣]
طرق اكتساب وتنمية الذكاء الاجتماعي
الذكاء الاجتماعي هو مهارة كباقي المهارات الأخرى يُمكن اكتسابه، وتعلّمه، وإتقانه من خلال التدريب والممارسة، وذلك باتباع بعضٍ من نصائح الخبراء والباحثين في هذا المجال، ومن هذه النصائح الآتي:[٤]
- عدم التعجّل في مُحاسبة الآخرين على ما قَد يصدر منهم من أخطاء أو هفوات؛ فالإنسان كائنٌ حساسٌ، عاطفيٌّ بطبعه، يتأثر بأقلّ الكلمات؛
فانتقاد الشخص، أو لومه قد يكون بمثابة شرارةٍ خطيرةٍ من شأنها تدمير صاحبها، ومن شأنها أن تحرق عاطفته، وكبريائه، فهذا (توماس هاردي) الكاتب البريطانيّ الشّهير أقلع عن الكتابةِ إلى الأبد، بسبب الانتقاد اللاذع الذي وُجّه إليه، كما أقدم (توماس شاتروثون) على الانتحار نتيجة الانتقاد أيضاً.
- إظهار الاهتمام بالآخرين؛ هذه قاعدة من أهمّ قواعد كسب محبّة الآخرين، وثقتهم، وهي كفيلةٌ بأن تؤدّي إلى نتائج عظيمةٍ ينالُ منها الشخص ما يسعى إليه، وتكون سبباً في تَحقيق أهدافه؛ فالإنسان يستطيع أن يكسب اهتمام ومحبة أبرز النّاس، وأرفعهم قدراً إذا أبدى الاهتمام والعناية بهم.
- جعل الآخرين الذين يقابلهم يحبونه، وذلك بإظهار محبة الشخص لهم وتقديرهم لذاتهم؛ فكلّ إنسانٍ لديه ما يُميّزه عن الآخرين ولديه جوانب مشرقة في شخصيّته تجعله فريداً في نظرته لذاتهِ وتُشعرهُ بأفضليته، ولذلك على من أراد كسب ودّ الآخرين والتحلي بالذّكاء الاجتماعي أن يُظهر لهم مدى تقديره للصفات التي يتميزون بها. يقول إيمرسون: (كلّ إنسانٍ أقابلهُ أفضل منّي في ناحيةٍ واحدةٍ على الأقل، وفي هذه النّاحية يمكنني أن أتعلّم منهُ).
- البعد عن العبارات التي تُبيّنُ الاستخفاف بذكاء الآخرين، وبقدراتهم العقليّة والثّقافيّة، وتوحي بالغرور والتكبّر؛ كأن يقول الشخص أثناء الحوار: (سأبرهن على كذا وكذا) فمثل هذه العبارات تعني: (أنا أذكى منك) وبالتالي فإنّ الشخص الآخر ستكون لديه ردّة فعلٍ عكسية، فهذا تحدٍّ صريح من المتحدّث يثير العداء، ويدفع الطرف الآخر للهجوم في المحادثة قبل البدء فيها، فعلى الشخص المحاور والذي يتميّز بالذّكاء الاجتماعي أن يتحدث بلباقةٍ وكياسةٍ مطلقةٍ، كأن يقول مثلاً: أنا لي رأيٌ آخر في هذه المسألة، وقد أكون مخطئاً فقول الشخص (قد أكون مخطئاً) يمنعه من الوقوع في المشكلات والاعتراضات، ويوحي للطرف الآخر بأنّه قد يكون هو مُخطئاً أيضاً.
مفتاح العلاقات الإنسانية الناجحة عند لس جبلين
يُضيف لس جبلين أنّ المفتاح الحقيقي للعلاقات الإنسانية الناجحة هو معرفة الإنسان أكثر عن الطبيعة الإنسانيّة كما هي عليه، وليس ما يعتقد فيما يجب أن تكون عليه، ولذلك إذا علم الإنسان مع من يَتعامل من الأشخاص فإنّه يكون في موقفٍ يسمح لهُ بالنجاح وتعامله سيكون مجدياً، وقال من الأمور المُهمّة أيضاً:[٥]
- الاهتمام باللقاء الأول مع الآخرين؛ فغالباً تُبنى اللقاءات على اللقاء الأول؛ حيث يحكُم الناس على الفرد من خلال اللقاء الأوّل له، وما تصدر عنه من كلماتٍ وتصرفات؛ فمن بدأ لقاءه الأول بالتهريج والضحك من الصعب على الطرف الآخر أن يتكلّم معه بجدية في اللقاءات الأخرى.
- بمقدار تقدير الفرد لذاته ونفسه يتمّ تقبّل الآخرين له، وهذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الفرد في تحديد الشكل الاجتماعي الذي ينظر إليه الآخرون؛ فالشخص الذي لديه ذكاءٌ اجتماعي يعرف أنّ المكانة التي يضعها الناس له هي ذاتها التي اتخذها هو لنفسه والتي تتناسب معه، وعند ذلك الوقت سيلتزم الآخرون بالتعامل معه كما يريد، فهو من قرّر وحدّد مكانته ودرجته عند الآخرين؛ فإن تصرَّف الفرد على أنّه لا شيء فالجميع سيعاملونه بالقيمة نفسها التي حدّدها لنفسه، وإن تصرّف على أنّ له شأنٌ عظيم فإنّهم لن يكون لديهم الخيار سوى أن يعاملوه بأنه شخصٌ ذو شأنٍ عظيم.
تسميات الذكاء الاجتماعي
يُطلق البعض من الأشخاص على الذكاء الاجتماعي مصطلح مهارة التعامل مع الناس، وهم لا يعلمون أنّهم بذكرهم هذا المسمّى قد أفقدوا مفهوم الذكاء الاجتماعي أهميته وقيمته، وذلك لأنّه مفهومٌ شاملٌ تجاه العلاقات الإنسانية؛ ففي الفلسفة الصينية قول: (إنّ أكبر عائق أمام تعلم الشيء الجديد هو الاعتقاد بأنك تعلمه بالفعل)، وخلال سنواتٍ عديدة حاول العلماء أمثال ديفيد ويلشر بيان مفهوم الذكاء فتوصّل في عام 1939م إلى أنّ الذّكاء الاجتماعي هو في حقيقته الذكاء العادي، ويُطبّق على المواقف الاجتماعية، أما محاولات الربط بين درجات القدرات الاجتماعية وبين اختبارات الذكاء لم يجد نتائج حاسمة فيها.
تحدّث الكثير من المتخصّصين عن تسمياتٍ عدة للذكاء الاجتماعي، مثل مهارات التواصل، ومهارات التعامل مع الآخرين، والمهارات الشخصية، والمُلاحظ أنّ مثل هذه التسميات التقليديّة قد ضيّقت فهم الذكاء الاجتماعي لدى الأشخاص على اعتبار أنّه مفهوم واسع، فهو يتطلّب بالإضافة إلى معرفة الشخص لمجموعةٍ من المهارات الحياتية، أو بعض الإجراءات المحددة معرفةً كبيرة، وخبرةً عاليةً بثقافة الإنسان الذي يقف أمامه، وقد يحتاج إلى ثقافاتٍ أخرى، ويحتاج أيضاً إلى تراكمٍ للخبرات، والمَعارف الناتجة عن مُواصلة الإنسان للملاحظة والتعلم، فيما قد يُفيد المرء وما لا يُفيده في المَواقف الإنسانية.[٦]
المراجع
- ↑ توني بوزان (2007)، قوة الذكاء الاجتماعي (الطبعة الثالثة)، السعودية: مكتبة جرير، صفحة 12_13، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ كارل ألبريخت (2008م)، الذكاء الاجتماعي _ علم النجاح الجديد (الطبعة الأولى)، السعودية: جرير، صفحة 18 - 19، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ توني بوزان (2007)، قوة الذكاء الاجتماعي (الطبعة الثالثة)، السعودية: مكتبة جرير، صفحة 13_14، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ دايل كارنيغي (2010م)، فن التعامل مع الناس (الطبعة الأولى)، القاهرة: جزيرة الورد، صفحة 11 -20 ، 49 - 54 ، 57 - 62 ، 75 - 77، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ لس جبلين (2010م)، كيف تتمتع بالثقة والقوة في التعامل مع الناس (الطبعة الخامسة)، السعودية: جرير، صفحة 75 ، 80، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ كارل ألبريخت (2008م)، الذكاء الاجتماعي _ علم النجاح الجديد (الطبعة الأولى)، السعودية: جرير، صفحة 23 - 26، جزء 1. بتصرّف.