مقدمة
لقد خلقنا الله في هذه الدنيا نتشابه في الشكل، ولكننا نختلف كثيراً في شخصياتنا، فكل إنسان لديه شخصية تختلف عن آخر، كل شخص يملك تفكيراً خاصاً به، إننا من الممكن أن نغير شخصيتنا، ولكننا لا يُمكن أن نغير شكلنا، لأن الشكل هبة من الله، فقد خلقنا في أحسن تقويم، ولم ينقص منا شيئاً، ولكن يأتي دور الشخصية التي تكون مكملة للشكل الذي نحن عليه، فليس الشكل هو ما يجعل الشخصية جذابة، فهناك أشخاص ليسوا بذلك الجمال ولكنهم يملكون شخصياتٍ جذابةٍ جداً، ورُبما شخصيتهم تكون جذابة أكثر من شخص لديه من الجمال ما يجعله جميلاً، فتعدد الشخصيات من إنسان لآخر يجعلنا نستطيع التعامل مع نوعٍ من الناس ولا نستطيع التعامل مع نوعٍ آخر، فهناك شخصياتٌ ليس من السهل فهمها أو التأقلم معها، لذلك هناك الكثير من العلاقات الإنسانية التي لا تستمر طويلاً من صداقةٍ وزواجٍ وغيرها من العلاقات، كل ذلك لوجود اختلافٍ جذري في الشخصياتِ، وعدم وجود أي اتفاقٍ بينهما، ولكن كما ذكرت الشخصية من الممكن تغييرها بحيث تتأقلم في ظروف مغايرة للظروف التي تعوَّد عليها الشخص في سبيل التقرُّب من شخص آخر لديه شخصية مختلفة.
إنّ ما يميز شخص عن آخر أن هناك بعض الأشخاص يجذبوننا نحوهم بغموضهم، إنهم غامضون وشخصياتهم تتميز عن غيرهم بالكثير من الخصال، وتسأل نفسك لما هم غامضون؟
ما هو الغموض
الغموض يعني ما هو مخفي ولا يمكننا رؤيته، أي ما قد حُجب عنا، ولا نستطيع معرفة ماهية هذا الشيء، والغموض في الشخصية، هو ما لا نعلمه عن شخص معين، فشخصيته تكون مختلفة عن باقي الشخصيات التي نكون نعرفها جيداً، والشخص الغامض لا نكاد نعرف عنه الكثير، فهو بغموضه يخبئ الكثير، ويخفي ما لا يقوله لأحد أو يحدِّث به أحد، والغموض في الشخصيات هو الأكثر جاذبية، لوجود غريزة الفضول لدى الكثير من الناس في محاولة فهم ومعرفة ما يخفيه صاحب الشخصية الغامضة.
كيف تكون غامضاً
إنّ للغموضِ من وجهة نظر البعض فوائد كثيرة، ويرى هؤلاء الناس أن الغموض سر من أسرار الجمال، وإضفاء مزيدٍ من المميزات على الشخصية، وجعلها جذابةً أكثر، وهناك رأي آخر يقول بأنه لا يجب على الشخصية أن تكون غامضة وغير مفهومة، فالوضوح في الشخصية يجعلها سهلة الفهم ويسهُل التعامل معها، وجهتان من النظر مختلفتان تماماً، ولكن من الواضح أن الكثير من الناس يُجمعون علي أن الشخصية الغامضة هي من تملك جاذبية أكبر لأنها تُرغِّبُ النَّاس في محاولة التقرب منها ومعرفة سر غموضها وإبهامها، ويوجد الكثير من الأمور التي من الممكن أن تجعلك غامضاً وجذاباً تلفت إليك الأنظار وتشد العقول .
صفات الشخص الغامض
من الصفات التي يتميز بها الرجل الغامض الشخصية هي قلة الكلام، فتجده لا يتحدث كثيراً، وإذا تحدث يختصر حديثه قدر الإمكان، أي بمعنى أن إجابته تكون علي قدر السؤال فقط، لا يزيد حرفاً ولا ينقص، وكلامه القليل يكون ذو دلالة كبيرة فيوصل الفكرة بأقل مجهودٍ وأقل تعبير، فمن وجهة نظر الرجل الغامض فإن قلة الكلام هي التي تضفي لمسات الغموض على شخصيته، لأنه ليس من السهولة أن تستمع من الرجل الغامض سراً أو اعترافاً بشيء ما، وهذا قد يكون مفيداً في الحفاظ علي الأسرار والأمور الهامة التي لا يحتفظ بها بعض الناس كثيرو الكلام، فربما من بين الكلمات الكثيرة التي يقولونها يخرج معها سر أو اعتراف يضر بهم في حياتهم.
يتمتع أيضاً الشخص الغامض بقوة الملاحظة، ولأنه قليل الكلام تجده يستخدم نظره وأذنه أكثر من أي شيء، وهذا يجعل تركيزه أكبر وحاد أكثر من أي شخص ذو شخصية عادية، هذا يفيد الشخص الغامض بالتقاط التفاصيل التي تدور حوله بالنظر والإنصات جيداً بالاستماع وتحليل الأمور بطريقةٍ أسرع، وفهم ما يجري حوله بكل دقة، وهذه من إحدى المميزات التي يتمتع بها الرجل الغامض.
إن الغموض الذي يعيشه الشخص الغامض، والسمات المميزة التي يتمتع بها، تخوله لأن يكون شخصاً مبدعاً، فهو قليل الكلام، وقوي الملاحظة وحاد النظر، وهذا يجعله يبحث عن زوايا الإبداع من حوله ويلتقطها ويفكِّر فيها، فينتج عن ذلك القيام بأمور مفيدة وهامة، والعمل في صمت هي من مقومات العمل الناجح، فكثير الكلام دائماً ما يقول بأنه سيفعل ولا يفعل، لذلك الشخص الغامض غالباً ما يكون مبدعاً لأنه لا يتكلم كثيراً بل يفكر كثيراً، ولا يتردد بل يفعل ما يجب عليه أن يفعله.
الرجل الغامض ليس من السهل عليه أن يثق بأحد، وهذه إحدى المميزات، فهو يعتمد على نفسه، ولا يعطي ثقته لأي شخص يقابله، فهو يكره الخذلان، ولا يحب أن يعيش لحظة انكسار بسبب شخص وثق فيه ولم تكن الثقة في محلها، لذلك يعمل وحيداً كي يحقق ما يهدف إليه، إن الثقة أمرٌ هام وكثيراً ما نثق بأشخاص لا نجد منهم سوى الخذلان، فننزعج كثيراً ونتألم أيضاً ونكون بحاجة إلى وقتٍ كبيرٍ للتعافي من هذه الصدمة، والرجل الغامض يوفر على نفسه هذا العناء كله بعدم إعطاء الثقة بسهولة.
إن الأفعال التي تصدر من الرجل الغامض لا تكُن متوقعة أو معروفة ولا يمكن لأي شخص أن يتخيلها، فهو يتصرف بعد تفكير عميق، وردة فعله تكون بعد موازنة الأمور في عقله، وترى أن ردود فعله مميزة وليس لها مثيل، وتعرف وقتها ان الغموض الذي يعيشه سبباً من الأسباب التي جعلته رزيناً في تصرفاته، متحكماً في كل انفعالاته، ولا تجده يتصرف تصرفات تقليدية مكررة ومملة، فهو يحبُّ التميز والتغيير والتجديد، يبتكر لنفسه أساليب خاصة فيه، بأفكار خاصة به، يثبت من خلالها أنه صعب الفهم ويصعب توقع ما سيقدم عليه، وهذا من علامات الجمال والجاذبية.
يتميز الشخص الغامض بالهدوء، فتجده لا ينفعل، ويتحكم في نفسه جيداً حتى عند مواجهة أمورٍ صعبة، لا يتصرف إلا بكل هدوء وبعد تفكير جيد بالأمر، إن من يخسرون دائماً هم المتسرعون الذين لا يعطوا لأنفسهم فرصةً للتفكير واتخاذ القرارات الصائبة، وهذا على عكس الشخصيات الغامضة التي تكون دائماً حكيمة، وتأخذ الأمور بشكل جدي وهادئ.
من كان يظن بأن الشخصية الغامضة شخصية سلبية، فليغير من رأيه، لأنّ الشخصية الغامضة شخصية جيدة ومفيدة لأصحابها ممن لا يحبون أن تكون شخصياتهم تقليدية، فهم يبنون شخصيتهم بطريقتهم الخاصة، ويفكرون بالطريقة التي تناسبهم، نعم لا يمكن أن ننكر أن هناك بعض السلبيات في الشخصية الغامضة، فمثلاً فإن الشخص الغامض لا يستطيع العمل مع جماعات، لأن العمل الجماعي يتطلب وجود وضوح بين الشخصيات التي تعمل مع بعضها، وهذا ما يفتقر إليه الشخص الغامض، لذلك يفضِّل أن يعمل لوحده ويُبدع فيما يعمله، واستخدام كافة المهارات التي يتيحها له الغموض للتركيز في عمله وإنجاحه، لذلك يكون الغموض في كثير من الأحيان مفيداً، والابتعاد قليلاً عن الحياة التقليدية رُبما يعيننا على معرفة أنفسنا جيداً، وأيضاً معرفة المجال الذي مِن الممكن أن نبدع فيه، فالغموض يناسب الكثير من الشخصيات التي تحبذ أن تكون جذابةً ومبدعةً ومُلهمةً أيضاً.