مكانة القُرآن الكريم
مكانة القرآن الكريم في قلوب المسلمين وحياتهم لا تعادلها أيّة مكانة؛ فهو كلام الله تعالى، وكلامه صفة من صفاته. والقرآن الكريم خلافاً للكُتُب السماويّة التي سبقته محفوظ من التبديل والتحريف والضياع؛ فقد تعهّد الله -سُبحانه وتعالى- بذلك، فقال: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)،[١] وقد جعله الله -عزّ وجلّ- شاملاً لما يصلح لحياة النّاس في الدنيا، ويُسعدهم عند لقائه -تعالى- في الآخرة، وكان القرآن الكريم ولا زال معجزة الله -تعالى- الخالدة بما احتواه من صور البيان والبلاغة والفصاحة التي عجز العرب عن مُجاراتها ومُعارضتها، فضلاً لما تضمّنه من صور الإعجاز العلميّ والتّشريعيّ والغيبيّ.
وقد أنعم الله -سبحانه وتعالى- على عباده بأن جعل حِفظ القرآن سهلاً ومُيسَّراً، فقال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)،[٢] ولذلك فإنّ حَفَظَته من العرب والأعاجم كُثُر من كلّ جيل ومن بقاع الأرض شتّى، ثمّ إنّ تيسير القرآن للحفظ من وجوه الإعجاز؛ فالأعجميّ مثلاً يحفظه وهو لا يُتقن اللغة العربيّة، ولأجل هذا كلّه يحرص المسلمون على حفظه وتدبّر آياته، فكيف يحفظه المسلم دون نسيان؟
كيفيّة حفظ القرآن دون نِسيان
على المسلم الذي أكرمه الله -تعالى- بحفظ القرآن الكريم، أو جزءٍ منه أن يتحرّى الوسائل التي تُعينه على تثبيت حفظه، وأهمّ هذه الوسائل ما يأتي:[٣]
- إخلاص النيّة لله تعالى؛ فقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالإخلاص في النيّة له وحده، فقال: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)،[٤] كما حثّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- على ذلك، فقال:(إنّما الأعمالُ بالنيّةِ، وإنّما لامرِئٍ ما نوى).[٥]
- تحرّي الرِفّقة الصّالحة من أهل القرآن؛ فهي خير ما يُعين المُقبل على حفظ كتاب الله -تعالى- في زيادة تمسّكه بالقرآن الكريم، والاستئناس بالقرب من سُوَره وآياته، خاصّةً إذا كانت الرِفّقة الصالحة من مُعلّمي القرآن الكريم، المُتقِنين لأحكامه، فإنّ صحبتهم شرف في الدنيا والآخرة، ويحرص حافظ القرآن على تجنّب الرِفّقة التي تُلهي عن ذكر الله تعالى؛ لخطرها على ما وقر في صدره من آيات ربّه سبحانه وتعالى، فقد قال الله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).[٦]
- حرص حافظ القرآن على تجنّب الأكل الحرام؛ لأنّ الوقوع في المُحرَّمات من الطّعام والشّراب يورّث في القلب قسوةً، من شأنها أن تُبعده عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وحياة قلب المسلم تكون بالقرب من الله تعالى، وكثرة ذكره، وإذا فسد القلب فسد الجسد كلّه.
- اختيار المُعلّم المُتقن؛ بحيث يحرص المُقبل على حفظ القرآن الكريم على اختيار المعلّم المُتقن لأحكام التلاوة ومخارج الحروف، والاستماع إليه بتدبّر، ويكون الحفظ عن طريق الاستماع والمُشافَهة له، وهي أمثل وسيلة لإتقان حفظ القرآن الكريم دون نسيان، ويجب التّنويه إلى أنّ الاعتماد على النفس دون معلّم من الأخطاء الكبيرة في حفظ القرآن، ويجب على المتعلّم أن يكون عالي الهمّة، صابراً ومتابعاً لنُصْح مُعلّمه.
- الالتزام بحدٍّ يوميّ للحفظ وعدم تجازوه؛ فالقليل الدائم من الحفظ خير من الكثير المنقطع، ولعلّ الحماسة المُفرِطة في الحفظ تُورِّثُ تثاقلاً في آخر الأمر، فعلى الحافظ أن يُلزِم نفسه بقَدَر معيّن يحفظه، ولا ينتقل إلى غيره إلّا بعد التثبّت منه بالتّكرار.
- الالتزام بالحفظ من مصحف واحد؛ فتعويد النّظر إلى شيء واحد يُعين على تصوّره، فالنّظر من أهمّ الوسائل المُعينة على الحفظ وتثبيته في نفس الحافظ.
- اختيار الأوقات المناسبة للقراءة والحفظ؛ فعلى حافظ القرآن اختيار الأوقات المناسبة؛ بحيث تكون النفس قادرةً على الاستيعاب والحفظ.
- قراءة ما تمّ حفظه من الآيات في الصّلوات وقيام الليل؛ فعلى الحافظ أن يُرتّل ما حفظه من الآيات في كلّ صلواته؛ لأنّها بركة للمؤمن، كما أنّ قيام الليل من أهمّ الوسائل لعلاج نسيان القرآن.
- تفسير الآيات وفهمها وتدبّرها قبل حفظها، وتدريب النفس على ربط أواخر السورة بأوائل السورة التي تليها.
حُكْم حفظ القرآن الكريم
تطرّق العلماء لمسألة حفظ القرآن الكريم؛ من حيث حكمها ووجوبها، وقد أجمع العلماء على أنّ حفظ القرآن الكريم كاملاً فرضٌ على وجه الكِفاية؛ فإذا قامت به مجموعة من الأمّة سقط الإثم عن الباقين، والعِبرة بالمجموعة التي تحفظ القرآن الكريم وصولها إلى حدّ التّواتر، ويجب على كلّ مسلم ومسلمة حفظ ما تصحّ به الصّلاة، أمّا حِفظ كلّ سور القرآن الكريم لكلّ مسلم ومسلمة فهو مُستحَبّ، وفي حقّ أهل العلم وطلاب العلوم الشرعيّة مُؤكَّد؛ لحاجتهم إلى الاستدلال بآياته، وبيان أحكامه.[٧]
فضل حفظ القرآن الكريم
ممّا لا شكّ فيه أنّ حفظ القرآن الكريم له فضل كبير وأجر عظيم، ولحُفّاظ القرآن الكريم عدّة فضائل وكرامات، منها ما يأتي:[٨]
- ميّز النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بين صحابته -رضي الله عنهم- في حفظهم للقرآن الكريم، فقد جاء في السنّة النبويّة أنّه قال: (إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقواماً ويضعُ به آخرِينَ)،[٩] ومن ذلك أنّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يجعل أمير القوم في السّفر أحفَظَهم لكتاب الله تعالى، كما عَقَد راية الجهاد لأكثرهم حِفظاً، وجعل الأكثر حفظاً للقرآن مُقدَّماً على غيره في إمامة النّاس للصّلاة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يَؤُمُّ القومَ أقرَؤُهُم لكتابِ اللهِ).[١٠]
- وقُدِّم في القبر الأكثر حفظاً للقرآن الكريم، كما حصل في غزوة أحد، حيث كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجمع بين رجلين من شهداء أُحد في ثوب واحد، ثمّ يقول: (أيُّهم أَكثرُ أَخذاً لِلقُرآنِ؟ فإذا أُشيرَ له إلى أَحدٍ قَدَّمه في اللَّحْدِ)،[١١] وغير ذلك من الشواهد التي ترفع مكانة الحُفّاظ وتُميّزهم عن غيرهم.
- لحافظ القرآن الكريم شأن خاصّ عند دخول الجنّة؛ حيث يُكرمه المولى -عزّ وجلّ- بالتّرقي في درجاتها؛ فقد ثبت عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ وارتَقِ، ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها).[١٢]
- كان عُمَر بن الخطّاب يُقدّم حُفّاظ القرآن الكريم في مجلس الشورى؛ اعترافاً بفضلهم.
- كان علماء السّلف الصالح يشترطون حفظ القرآن الكريم لتعليم الصبيان علوم الشّريعة المختلفة؛ مثل: الحديث، والفقه.
المراجع
- ↑ سورة الحجر، آية: 9.
- ↑ سورة القمر، آية: 17.
- ↑ سيد مبارك (22-2-2014)، "كيف تعالج نسيان القرآن؟"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-1-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البينة، آية: 5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 6689، صحيح.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 67.
- ↑ محمود الدوسري (20-12-2017)، "حكم حفظ القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2018. بتصرّف.
- ↑ محمود الدوسري (13-9-2017)، "فضائل حفظ القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 817 ، صحيح.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عمرو بن ثعلبة، الصفحة أو الرقم: 673، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 4079، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1464، حسن صحيح.