حُبُّ الله
إنّ لمحبّة الله تبارك وتعالى في نفس كل مؤمنٍ أهميّةٌ بالغةٌ، ومَكانةٌ راقيةٌ عَظيمةٌ؛ فمَحبَّة الله علامةٌ على الارتِقاءِ، والوصول إلى أعلى دَرجاتِ الإيمان؛ فهي تورث في نفس المُحب حلاوةً، واطمئناناً، واستقراراً، ورضىً عجيباً في قلبه، وانشراحاً في صدره غير مسبوق، ولكنّ المحبّة الحقيقية لها علاماتٌ، ودلائل، وبراهين تُثبت حُبّ المؤمن بحقٍ لله تبارك وتعالى، ومن أبرز علامات محبّة الله تعالى طاعته، واجتناب معصيته، واتقاء غضبه، وقد أحسَنَ الإمامُ الشافعيّ إذ نظم شعراً في علامة حب المسلم لله فقال:
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
-
-
- هذا محالٌ في القياس بديعُ
-
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ
-
-
- إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ[١]
-
كيفية محبة الله
إنّ مَحبّة الله تبارك وتعالى عقيدةٌ ثابتةٌ راسخةٌ في نفس المؤمن الذي أقر لله بالوحدانية بربوبيته وألوهيته، قال الله تبارك وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)،[٢] فحبّ الله تبارك وتعالى يُعتبر أساس الإيمان، وحب الله مُقدمٌ على كل حب فلا يُدانيه حُبٌ في قلب المؤمن، وهو حبٌ خالصٌ له وحده مُستمَدٌّ من عقيدة إيمانيةٍ راسخة، ولكي يستطيع المؤمن أن يجعل حبّ الله خالصاً في قلبه حباً حقيقياً صادقاً فإنه يتوجّبُ عليه أن:[٣]
- لا يُشرك في عبادة الله أحداً سواه، فلا يعبد أحداً مع الله، ولا يَصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تبارك وتعالى، فيتوجّه بالمحبة بكل إيمانٍ لله وحده، ولا يُشرك في منزلة المحبة الخاصة بالله في قلبه أي أحد؛ فالله قي قلب المؤمن أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه ومن الناس جميعاً، فالمحبّة لله عبادةٌ له، وجاء في الحديث النبوي الشريف تأكيداً على هذا المعنى، ما رُوي أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يَكره أن يلقى في النار)[٤]
- حبّ الله تبارك وتعالى لا يكون إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر في معانيها وفهمها.
- أن يتذلّل المؤمن لله تبارك وتعالى، وذلك باللجوء إليه سبحانه بالدعاء والتضّرع، وطلب تفريج الكربات، وما أهمّه وأصابه من أمور الدّنيا والآخرة، وحُبُّ الله تعالى هو استشعار عظمته، واللجوء إليه وحده وقت الحاجة؛ فالله يُحبّ من عبده أن يُكثر من دعائه، ويلح عليه سبحانه وتعالى بالدعاء، فعادةً ما يَبتلي الله العبد المؤمن؛ لكي يختبره، والمؤمن الذي يَتجاوز الاختبار بنجاحٍ هو الذي ارتبط بالله ولجأ إليه في وقتِ مِحنته؛ فالله هو مالك الفرج، وبيده الأمر كلّه عاجله وآجله، وإليه يَرجع الأمر كله عاجله وآجله.
- أن يُحبّ المؤمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ومحبة الرسول الكريم تكون باتباع سنته وطاعته فيما أمر؛ حيث قال الله عزّ وجلّ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[٥]
- الاشتغال بعبادته تبارك وتعالى والتقرّب إليه بما يُرضيه، والإكثار من ذكره، والخوف منه والرجاء فيه وحده دون سواه، وطاعته في السر والعلن.
- أن يُخفض المؤمن جناحه للمؤمنين فيكون عطوفاً عليهم رحيماً بهم.
تعريف الحُبّ
الحِبُّ لغةً: الوِداد، وَالحِبابُ أيضاً كالحُبّ، وأحَبَّه فَهُوَ محبوبٌ، وَكَانَ زيد بن حَارِثَة يُنادى حِبّ رَسُول الله -عليه الصلاة والسلام.[٦] وأما الحُب اصطلاحاً: فهو ضد الكراهية، وحقيقته: مَيلُ النّفس مع ميل العقل؛ فإذا تجاوز الميلُ العقل فهو العشق.[٧]
أصناف الحُبّ
للحُبّ أصناف مُتعددة تبعاً لوضع كلٍّ من المُحِب والمحبوب وسبب تلك المَحبّة، فمن أصناف الحب:[٨]
- حبّ الله سبحانه وتعالى وحب رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم فرضٌ على كلّ مُسلم ومسلمة؛ بل إنّ مَحبّة الله ورسوله شرطٌ من شروط الإيمان، فقد ورد عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِه ووالدِه والنَّاسِ أجمعينَ)،[٩] وهذه المحبّة تستلزم طاعة المحبوب، والمقصود طاعة الله تعالى وطاعة رسوله الكريم -صلّى الله عليه وسلم-، وفِعل ما يوافق طاعته، واجتناب ما يَنهاه عنه، فلو ادّعى شخصٌ ما أنّه يُحبّ أحداً، ولم يُطعه في أمره وفيما طلبه منه فلا اعتبار للحب، والمحبة المقصودة هنا هي محبة العبودية لله سبحانه وتعالى.
- حبّ المُؤمنين وحب العلماء والصّالحين: وهو من أفضل وأجمل العبادات التي يتقرّب بها المسلم إلى الله تبارك وتعالى، فقد قال الرسول الكريم -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثَلاثةٌ مَن كُنّ فيه وجَد بِهنّ حَلاوةَ الإيمان: أن يَكونَ اللهُ ورسولهُ أحبُّ إليه ممّا سواهما، وأن يُحبّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النّار).[٤]، والمحبّة هنا نابعةٌ من محبة الله وطاعته، ومحبّة أهل الخير والصلاح الذين أمر الله بمحبتهم.
- مَحبّة الزّوجة والأولاد: فالإنسان السوي يَميل إلى زَوجته فطرةً ويسكن إليها ويطمئن، ويَزيد في ميله لها وحُبّه جمالها، وخلقها، ودينها، وأن تحمل من الصفات ما يجعله محباً لها ويميل إليها، ومحبة الأبناء كذلك أمر فطري.
- مَحبّة الوالدين والإخوة وسائر الأقارب: فكلّ إنسانٍ مَفطورٌ على الحبّ لوالديه فهما السّبب في وجوده، وقد تعبا وسَهِرا السنين حرصاً على راحته، ومحبةً له وشفقةً عليه، وهذا النوع من أنواع المحبّة هو من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا يرتقي إلى مقام العبودية، كما في محبة الله سبحانه وتعالى.
المراجع
- ↑ محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي، الآداب الشرعية والمنح المرعية، بيروت: عالم الكتب، صفحة 154، جزء 1.
- ↑ سورة البقرة، آية: 165.
- ↑ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (1957)، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (الطبعة السابعة)، القاهرة: مكتبة السنة المحمدية، صفحة 102.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ↑ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده (2000)، المُحكم والمحيط الأعظم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 543، جزء 3.
- ↑ محمد رواس قلعجي، حامد صادق قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عمان: دار النفائس، صفحة 173.
- ↑ عدد من الؤلفين(27/9/2001)، "حكم الحب في الإسلام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 44.