عنترة بن شداد
عنترة بن شداد هو ذلك العربي الذي وصلت سيرته إلى حدِّ الأساطير، فتشابهت ملحمته بملاحم الشعر الإغريقية، ذلك العربي الذي قاتل الظروف المعاكسة لما يريد، حتى نحت اسماً يتداوله العرب في كل زمان ومكان، فهو أحد الفرسان والشعراء الذين جمعوا القوة، والشجاعة، والبسالة، والفخر، ورمز الفروسية، تلك الصفات التي لطالما تغنّى بها العرب، كان عنترة بن شداد مضربَ الأمثال، فلم يوجد في عصره من يُشبهه، فقد جمع صفات من النادر أن تجتمع في شخص واحد، وممّا زاد من إعجاب الناس بسيرته ما واجهه من ظلم، وتمييز بسبب لونه، وكذلك قصّة حبه لعبلة، وما كان فيها من المعاناة، والحرمان.[١]
نسبه ونشأته
هو عنترة بن عمرو بن شدّاد بن عمرو بن قراد بن مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض، حيث يُقال إنّ شدّاد هو جدّه، وقد غلب على اسم أبيه عمرو، فنُسب إليه، وقيل أيضاً إنّ شدّاد هو عمّه، وقد نشأ في بيته، فلذلك نُسب إليه دون أبيه، وهو ابن أمة سوداء، يُقال لها زبيبة، فلم يعترف به أبوه حتى كبر، حيث كان العرب إذا كان لهم ابن من أمة استعبدوه، فقد كان كذلك لعنترة إخوة له من أمّه، وقد كانوا عبيداً أيضاً،[٢]يُعتقد أنّ ولادة الفارس والشاعر عنترة بن شدّاد كانت في حدود عام خمسمئة وثلاثين ميلادي، وذلك عائد إلى أنّ الغالب عند المؤرخين أنّ حرب داحس والغبراء كانت نهايتها قبل الإسلام بقليل، أي ما يقارب من عام ستمئة للميلاد، واستمرّت أربعين سنةً، وقد شارك فيها عنتر بن شدّاد منذ بدايتها حتى نهايتها، وهذا يتناسب مع عدّة نصوص ذكرت التقاء عنترة مع عمرو بن معد، وكذلك معاصرته العديد من الشعراء، ومنهم عروة بن الورد في ذلك الوقت، أمّا لكيفية حصول عنترة على حُرّيته فهناك العديد من الروايات بيد أنّ أكثرها شيوعاً هي عندما أغار بعض أحياء العرب على قوم من قبيلة عبس، فلحقهم العبسيون، فقاتلوهم ومنهم عنترة، فكان يقول له أبوه كرَّ يا عنترة، فرد عليه العبد لا يُحسن الكرّ، إنّما يُحسن الحلاب والصر، فقال له أبوه كرّ، وأنت حرّ، وألحقه في نسبه بعد ذلك، بيد أن المعلوم والثابت بأنّ عنترة نال حريته بعد معاناة وجهد وتضحيات.[٣]
صفات عنترة بن شداد وفروسيته
لا شكَّ أنّ عنترة بن شدّاد أحد أشهر فرسان العرب في العصر الجاهلي، كما يُعتبر من شُعراء الطبقة الأولى، يعود سواد جسده إلى أمّه التي كانت من الحبشة، يُعرف عن عنترة أنّه من أكثر العرب عزّة نفس، كما اتصف بالحلم على الرغم ممّا عُلم عنه من شدّة البطش، يمتاز الشعر عنده بالرقّة، والعذوبة، ذلك الشعر الذي يكاد لا يخلو من ذكر حبيبته وابنة عمّه عبلة،[٤]كما تميّز عنترة بالشجاعة والبأس، وظهر ذلك جليّاً في حروب داحس والغبراء، حيث قتل فيها معاوية بن نزال من تميم في معركة الفروق، كما برزت شجاعته في واقعة ذات الجراجر مع قبيلة ذبيان وحلفائها، ومما يُذكر عنه فرار قومه عبس في مواجهة بني سليم، بعد قتال استمر يومين، لكنّ عنترة بقي وحيداً يدافع عن النساء، حتى عاد قومه من جديد فكانت الغلبة لهم، ومن الأخبار المعلومة عن عنترة أنّه سُئل: أنت أشجع الناس وأشدّها فقال: لا فقيل: فبم إذن شاع لك هذا في الناس، قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل موضعاً لا أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله.[٣]
حُب عنترة لعبلة
كان عنترة عبداً ولم يتحرّر، بيد أنّ ذلك لم يمنعه من الاهتمام بابنة عمّه عبلة، بل كان يحمل لها في قلبه الحب، ذلك الحب الذي سيُخلّد في تاريخ العرب، أسرّ عنترة لأخيه بحبّه لها، والذي ما توانى في نصيحته بأن يبتعدَ عنها، إلّا أنّه استمرّ بحبها، وواجه من أجل الظفر بها الكثير بعد تحرره،[٥]فعلى الرغم من المعارك الكثيرة التي خاضها عنترة، إلّا أنّ معركته من أجل عبلة قد تكون أكبرَ وأشرسَ المعارك، حيث تآمر عليه أخو عبلة، وزوج أختها، إلّا أنّ إصراره، وعشقه لها جعل كلّ محاولاتهم تنتهي بالفشل،[٦]لم تنته الأمور هنا، بل واجهه والدها بأن طلب منه مهراً لعبلةَ ألفاً من النوق العصافير، وكان الجميع يعلم أنّ هذا الشرط يستحيل على عنترة تحقيقه، فهذا النوع من النّوق لا يتواجد إلّا عند النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وكذلك كان حبه لعبلة أعظم من هذا الشرط المجحف، فما كان منه إلّا أن ذهبَ بمغامرة إلى العراق حيث قام بسرقة النّوق، إلّا أنّه أُصيب من الحرّاس، وقُبض عليه، وسُجن إلى أن سمع النعمان بقصّته، وشجاعته، فعفى عنه وأهداه ألفاً من النوق العصافير، فعاد بها إلى عبلة، وتزوجها بعد مواجهات كثيرة خاضها مع خصومه.[٥]
وفاة عنترة وشعره
اختلفت الروايات عن حياة عنترة بن شداد، فقد اختلفت كذلك في وفاته، فقد قيل إنّه مات بعد أن هاجت رائحة من صيف نافحة وهو خارج فأصابته، وتوفي حيث كان شيخاً كبيرَ العمر وعاجزاً، فيما قالت رواية أخرى إنّه أغار على طيء مع قبيلته، وقد كان شيخاً، فانهزمت عبس، وسقط عن فرسه، ولم يستطع امتطاءها مرة أخرى، لعجزه، فرآه رجل قيل إنّ اسمه الأسد الرهيص، وخاف أن يأسره، فرماه وقتله، وقد تميّز شعر عنترة بن شداد باحتوائه على البطولات، ووصف ساحات القتال، وذكر الشجاعة، كما ربط بين فكرتي البطولة والحب، بالإضافة إلى الأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة كالعفّة في الحروب، وتعاليه عن الغنائم، أمّا ما قال من الشعر في الحب فقد كان ظاهراً به الغزل العذري الذي يخلو من وصف الجسد، وهذا أمر طبيعي مرتبط بشخصية عنترة، والتي تميّزت بحسن الخلق،[٣]بيد أنّ أكثر ما عُرف من شعر عنترة بن شداد هي معلّقته الشهيرة والتي تقول في بدايتها:[٧]
هل غادر الشعراء من متردّم
- أم هل عرفت الدار بعد توهّم
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
- وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
- للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
- والنّاذرين إذا لم القهما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما
- جزر السّباع وكلّ نسر قشعم
لمّا رآني قد نزلت أريده
- أبدى نواجذه لغير تبسّم
المراجع
- ↑ محمد الجويلي (16-5-2016)، "عنترة بن شداد.. استحضار مستمر لسيرة شعبية من المخيلة العربية"، alarab.co.uk، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة الدينوري (1423 هـ)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 243، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت أبو عبدالله الزَّوْزَني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة الأولى)، بيروت: دار احياء التراث العربي، صفحة 239-244. بتصرّف.
- ↑ الموسوعة الشعرية، معجم الشعراء العرب، صفحة 826. بتصرّف.
- ^ أ ب حسين علي محمد (1425ه)، التحرير الأدبي (الطبعة الخامسة)، السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 302-304. بتصرّف.
- ↑ "معلومات لا تعرفها عن الوجه الآخر لـ«عنترة بن شداد» الذي خان «عبلة» مع 30 امرأة"، maktaba-amma.com، 23-12-2016، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.
- ↑ ابن عبد ربه الأندلسي (1404 ه)، العقد الفريد (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 20، جزء 7. بتصرّف.