ولادة موسى عليه السلام
وُلد موسى -عليه السلام- في مرحلةٍ كانت من أصعب المراحل التي مرّ بها بنو إسرائيل، حيث إنّ فرعون قرّر ذبح كلّ من يُولد لهم من الذكور، ولكنّ الله -تعالى- قدّر أن ينجو موسى عليه السلام، من بين أطفال بني إسرائيل، ويترّبى في قصر فرعون نفسه؛ لتكون نهاية فرعون على يديه، وتم التدبير الإلهي لذلك الأمر، فلمّا حملت أمّ موسى به، أخفت حملها عن الناس؛ حتى لا يصل خبره إلى جنود الطاغية، وعند ولادته ألهمها الله -تعالى- أن تضعه في تابوتٍ، وتُلقي التابوت في البحر، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ)،[١] وبعدها شاء الله أن يصل التابوت إلى زوجة فرعون، فلمّا رأت الطفل الرضيع أحبته، وطلبت من فرعون ألّا يقتله، فوافق على ذلك، فأصبح موسى -عليه السلام- في رعاية فرعون وزوجته، وشاء الله -تعالى- أن يردّ موسى -عليه السلام- إلى أمّه، إذ لم يقبل الرضاعة من أيّ من النساء، فجاؤوا به إلى السوق، فاقترحت عليهم أخته التي كانت تتبع أثر أخيها، كي تدلّهم على من يُرضعه، ودلّتهم على أمه، فقبل موسى بالرضاعة منها، واطمأن قلبها بعد أن عاد إليها ولدها، حيث طُلب منها البقاء في القصر؛ فرفضت ذلك؛ لحاجة زوجها وأولادها لها، وكذلك كبر موسى -عليه السلام- في كنف والدته.[٢]
صفات النبي موسى الجسدية
من معجزات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه التقى الانبياء في رحلة الإسراء والمعراج، ومنهم موسى عليه السلام، ومن الجدير بالذكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد وصف شكل موسى عليه السلام، حيث قال: (ليلةَ أُسري بي لقيتُ موسى رَجِلَ الرَّأسِ كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ)؛[٣] وشنوءة اسم قبيلةٍ يُعرف أفرادها بصفاتٍ خَلقية، منها: أنهّم خفيفو اللحم، ممشوقو القامة، رجلو الرأس؛ أيّ أنّ شعرهم متوسط النعومة، ليس بالمجعّد، ولا بشديد النعومة، وثمة روايةٍ أخرى، وُصف فيها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- موسى عليه السلام، حيث قال النبي: (رأيتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي موسى، رجلاً آدمَ، طوالاً جَعْداً، كأنه من رجالِ شَنُوءَةَ)،[٤] وأمّا الرجل الآدم فهو شديد السمرة، ومعنى الجعد؛ أيّ صاحب الشعر الملتوي، والطوّال؛ أيّ طويل القامة، وتلك الصفات من صفات القوة والبأس، ومن أهم صفات موسى عليه السلام؛ القوة، كما وصفه الله تعالى، على لسان ابنة الشيخ الكبير، حيث قال الله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).[٥][٦]
صفات النبي موسى الخلقية
تولّى موسى -عليه السلام- أمر بني إسرائيل في ظروفٍ صعبةٍ، فكان قائداً بصفاتٍ خاصةٍ قلّ نظيره في التاريخ، حيث تمكّن من مواجهة عدوٍ متغطرسٍ، متكبرٍ، شديد البطش، وهو فرعون وقومه، بالإضافة إلى صبره على بني إسرائيل، الذين كانوا من نوعيةٍ فريدةٍ من البشر، حيث كانوا يتخاذلون عن النصرة في الشدائد، وأصحاب هوى، وقد آذوا موسى عليه السلام، فصبر على أذاهم، وذلك مصداقاً لقول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)،[٧] ولقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رحم اللهُ موسى، قد أُوذِيَ بأكثرَ من هذا فصبرَ)،[٨] وقد بيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم، أنّه وهب موسى -عليه السلام- عدداً من الصفات، ليتكّمن من إنجاز المهمة الموكلة إليه، وفيما يأتي بيان بعضها:[٩]
- العلم: إنّ من صفات موسى -عليه السلام- سعة العلم، ومن الجدير بالذكر أنّ علمه لم يكن مجرّد علمٍ بشريٍ، بل كان علماً ربانياً، وهبه إياه ربّ العالمين، حيث أنزل عليه التوراة، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ)،[١٠] فنهل موسى -عليه السلام- من العلم الغزير، حتى ظُنّ أنّه أعلم أهل الأرض، ولكنّ الله -تعالى- أراد له أن يستزيد من العلم، فقدّر له أن يلقى الرجل الصالح، ولمّا التقى بذلك الرجل الصالح عند مجمع البحرين، طلب منه الرجل الصالح أن يتبعه في مسيره، مقابل أن يتعلّم منه، كما في قول الله تعالى: (قالَ لَهُ موسى هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمتَ رُشدًا).[١١]
- حسن التوكّل على الله تعالى: ضرب موسى -عليه السلام- أروع الأمثلة في التوكّل على الله، وحسن الظّن به، حيث أخذ بكلّ الأسباب المؤدية لإنقاذ قومه من فرعون وملائه، ثمّ توكّل على الله تعالى، ولم يترك الأسباب، ولم يتواكل، فلمّا انقطعت الأسباب المادية عندما لحق بهم العدو ليقتلهم، ولم يترك لهم مهرباً، حينها استسلم الكثير من قوم موسى عليه السلام، وظنوا بأنّ فرعون سيدركهم ويبطش بهم، وفي تلك اللحظة ظهر ثبات موسى عليه السلام، وتوكّله على ربّه، كما في قول الله تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).>[١٢]
- القوة والأمانة: كان من صفات موسى -عليه السلام- قوة القلب، وثباته، ولا تقتصر قوته على ذلك النوع من القوة، بل كان يتمتّع بالقوة البدنية أيضاً، مصداقاً لقول الله تعالى على لسان ابنة الشيخ الكبير: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).[٥]
- انشراح الصدر: إنّ انشراح الصدر من الصفات التي طلبها موسى -عليه السلام- من الله عزّ وجلّ، حيث قال الله تعالى: (قالَ رَبِّ اشرَح لي صَدري)،[١٣] فاستجاب الله -تعالى- دعاءه، وشرح له صدره، ووهبه نوراً يميّز به الحقّ من الباطل، والخير من الشرّ.
المراجع
- ↑ سورة القصص، آية: 7.
- ↑ أحمد أحمد غلوش (1423هـ-2002م)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة الأولى)، مؤسسة الرسالة، صفحة 267-270. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 51، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3239، صحيح.
- ^ أ ب سورة القصص، آية: 26.
- ↑ "شكل سيدنا موسى عليه السلام كما رآه النبي في الإسراء والمعراج"، lite.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية: 5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3150، صحيح.
- ↑ "موسى عليه السلام النبي القائد"، www.alukah.net. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 44.
- ↑ سورة الكهف، آية: 66.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 61-62.
- ↑ سورة طه، آية: 25.