الإيمان بأسماء الله الحسنى
إن الإيمان بأسماء الله الحسنى قائم على أركانٍ ثلاثةٍ، وهي الإيمان بالاسم، والإيمان بما دلّ عليه الاسم من المعنى، والإيمان بما يترتب عليه من الآثار،[١] كما يجب الإيمان بأسماء الله -تعالى- كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومراعاة قاعدتين أساسيّتين، أولاهما: تنزيه الله -تعالى- عن مشابهة المخلوقين، وقد ثبت الكثير من النصوص الشرعية التي تدل على هذه القاعدة، ومنها قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)،[٢] وثانيهما: فهم معنى الأسماء، من غير السعي إلى الإحاطة بكيفيّتها، فقد قال الله تعالى: (يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بِهِ عِلمًا)،[٣] فعند الإيمان بأسماء الله -تعالى- وصفاته وفق هاتين القاعدتين، وعبادته سبحانه بتلك الأسماء، تتحقّق العبودية لله تعالى.[٤]
وتجدر الإشارة إلى كثرة ذكر أسماء الله -تعالى- في القرآن الكريم والسنة النبوية عند بيان قواعد الإسلام وأجزائه، وعند تقرير أصول الإيمان وفروعه، وعند تشريع الأحكام الفقهية المختلفة، حتى يعرف العباد ربهم -عز وجل- بتلك الأسماء ويعبدوه بها، وترتبط بها أعمالهم وتصرّفاتهم، فيتسحضرونها عند القيام بأي فعل، مما يدفعهم إلى التزام ما يرضي الله تعالى، واجتناب ما يسخطه، ومما يؤدي إلى توثيق الروابط بين العبد وربه عز وجل؛ ذكر أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم في سياق مناسب لها، حيث ورد ذكر الرحمن، والرحيم، والغفور، في سياق يقتضي رحمة الله -تعالى- ومغفرته، بينما ورد ذكر الجبار، والمتكبر، والقاهر في سياق يقتضي بيان عظمة الله -تعالى- وقدرته وجبروته.[٤]
أسماء الله الحسنى
أسماء الله الحسنى هي الأسماء التي سمّى الله -تعالى- بها نفسه، أو سمّاه بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: (وَلِلَّـهِ الأَسماءُ الحُسنى فَادعوهُ بِها وَذَرُوا الَّذينَ يُلحِدونَ في أَسمائِهِ سَيُجزَونَ ما كانوا يَعمَلونَ)،[٥] ويعتقد البعض أن أسماء الله -تعالى- محصورة في تسعةٍ وتسعين اسماً كما ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، والصحيح أن أسماء الله الحسنى لا حصر لها، كما أن بعض أسماء الله الحسنى لا يصح إطلاقها إلا مع الاسم الذي يقابلها، لأن إطلاقها منفردة قد يوهم نقصاً لله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فلا يصح إطلاق اسم المانع، أو الضار، أو القابض، أو المذلّ، من غير مقابلها، والصحيح قول: القابض الباسط، أو الخافض الرافع، أو المُعز المذل، أو المانع المُعطي، وفيما يأتي بيان بعض أسماء الله الحسنى الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية:[٦]
- الرحمن: ورد ذكر اسم الرحمن في قول الله تعالى: (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ)،[٧] والرحمن هو من عمت رحمته جميع الخلق سواءً المؤمن منهم والكافر.
- الرحيم: ورد ذكر اسم الرحيم في الآية السابقة، حيث يرحم الله -تعالى- عباده المؤمنين في الدنيا بهدايتهم إلى توحيده وعبادته، ويرحمهم في الآخرة برؤية وجهه الكريم، وإدخالهم الجنة.
- السميع: ورد ذكر اسم السميع في قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)،[٢] والسميع هو الذي يسمع جميع الأصوات على الرغم من اختلاف اللغات، وتنوع الحاجات.
- البصير: ورد ذكر اسم البصير في الآية السابقة، والبصير هو الذي يُبصر كل شيء، فيُبصر ما في السماوات السبع، وما تحت الأرض وإن صغر، حتى إنه يُبصر دبيب النملة السوادء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء.
- الملك: ورد ذكر اسم الملك في قول الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)،[٨] والملك من صفات العظمة، والتدبير، والقهر، والكبرياء، وهو الذي له العالم العلوي والسفلي، وله التصرف المطلق في الخلق والأمر والجزاء، والخلق كلهم عبيده، ومماليكه، ومضطرون إليه.
- القدوس السلام: ورد ذكرها في الآية السابقة، وتدل على الكمال المطلق من كل الوجوه، والتنزيه عن صفات النقص كلها، ونفي المماثلة مع أحد من الخلق، فهو المُتنزّه عن العيوب، وعن المقاربة أو المشابهة مع أحد.
- الأول والآخر: ورد ذكر اسم الأول والآخر في قول الله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٩] وقد فسّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الأسماء الحسنى، حيث قال: (أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شيءٌ)،[١٠] وقد بيّن عدد من العلماء معنى هذه الأسماء، ومنهم ابن جرير الطبري -رحمه الله- حيث قال: "هو الأول قبل كل شيء بغير حد، والآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجوداً سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها".[١١]
- الظاهر والباطن: ورد ذكر اسم الظاهر والباطن في الآية التي سبق ذكرها، وفسّر النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الأسماء الحسنى، حيث قال: (أَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شيءٌ)،[١٠] وبيّن عدد من أهل العلم معنى هذه الأسماء، ومنهم ابن جرير رحمه الله حيث قال: "وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه"، وبيّن معنى الباطن فقال: "هو الباطن لجميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه".[١١]
أهمية معرفة أسماء الله وأثرها في حياتنا
إن معرفة أسماء الله الحسنى أمرٌ عظيم الأهمية، حيث إن العلم بالله -تعالى- وأسمائه من أشرف العلوم وأعظمها قدراً، لا سيما أن شرف العلم من شرف المعلوم، بالإضافة إلى أن معرفة أسماء الله -تعالى- تزيد من محبته، وخشيته، والخوف منه، ورجائه، مما يؤدي إلى السعادة الحقيقية، كما تزيد إيمان العبد بربه لأن الإيمان بأسماء الله الحسنى يتضمن توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات،[١٢] ومن الجدير بالذكر أن لأسماء الله الحسنى أثر مباشر في حياة المسلم في حال حفظها، وفهم المقصود منها، وتخلّق بمعانيها، حيث إن اسم الله الرحمن والرحيم، يبعث على تراحم المسلمين فيما بينهم، واسم الله العلي يدعوهم ليكونوا أصحاب شموخ، وعلو، ورفعة، واسم الله العزيز يبعث العزة في النفوس، واسم الله الودود يدعو المسلمين للتودّد فيما بينهم، واسم الله الصمد يبعث الصمود في وجه التحدّيات والمصاعب.[١٣]
المراجع
- ↑ سعيد القحطاني، "أركان الإيمان بالأسماء الحُسنى"، www.knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الشورى، آية: 11.
- ↑ سورة طه، آية: 110.
- ^ أ ب د. عبد الله الأهدل، "الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(9-15)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 180.
- ↑ محمد إسماعيل (12-6-2014)، "قَواعِدٌ فِي أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى وَمَعَانِيها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة فصلت، آية: 2.
- ↑ سورة الحشر، آية: 23.
- ↑ سورة الحديد، آية: 3.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2713، صحيح.
- ^ أ ب "الأول، والآخر، والظاهر، والباطن"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "أهمية معرفة أسماء الله الحسنى"، www.islamqa.info، 1999-6-22، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد سعيد بكر (1-4-2014)، "أثر أسماء الله الحسنى في حياتنا"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.