زكاة المال المودع في البنك

كتابة - آخر تحديث: الخميس ٢١ يوليو ٢٠١٩

الحكمة من مشروعية الزكاة

جاء الإسلام بكلّ ما يؤدي إلى التراحم والتكافل بين المؤمنين، وأمر بكلّ ما يحقّق العدل بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا ما جعل أواصر الأخوّة والمودّة والمحبّة بينهم تقوى وتزداد، والزكاة مظهر من مظاهر ذلك الأمر، بدلالة الحِكم العديدة المترتبة على تشريعها في الإسلام، فهي تدلّ على صحّة إيمان المزكي، وحقيقة تصديقه لأحكام الله عزّ وجلّ، ورجاءه الصادق في نيل ما عنده من أجورٍ وحسناتٍ ودرجاتٍ، كما أنّها تزكّي نفسه، وتطهّرها من الأخلاق الدنيئة؛ كالبخل، والشحّ، ونحوهما، وهي سببٌ في غفران ذنوبه، والتجاوز عن سيئاته، وقد جعل الله -تعالى- طاعته سبباً في حصول الهداية للإنسان، فمن أطاع الله -عزّ وجلّ- في إيتاء الزكاة كان له نصيبٌ من الهداية، قال الله تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)،[١] والصدقة سببٌ في قضاء حوائج الإنسان، وفكّ كُربه، وستره في الدنيا والآخرة، وذلك لمّا تشتمل عليه من معاني تفريج الهموم عن الناس، وقضاء حوائجهم، وهي سبب في دخول المسلم للجنة التي وعد الله -تعالى- بها عباده المتصدّقين.[٢]

ومن الحِكم المترتبة على إخراج الزكاة أيضاً أنّ فيها تطهيراً لأموال المسلم من حقوق الناس، فالفقراء والمساكين لهم حقٌّ في أموال أهل الزكاة، وعند إخراج تلك الحقوق، وإيصالها إلى أهلها تحلّ البركة فيها، فتنمو الأموال، وينتفع صاحبها بها، والزكاة لا تُنقِص المال، بل تزيده؛ لأنّ الله -عزّ وجلّ- وعد المنفقين بأن يخلف عليهم خيراً ممّا أنفقوا، قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)،[٣] والزكاة سببٌ في سدّ حاجة المحتاجين، حيث إنّها تزكّيهم، وترفع عنهم ذلّ سؤال الناس، فتعفّ نفوسهم وتحفظ كرامتهم، كمّا أنّ إعطاءها للمؤلفة قلوبهم سببٌ في ترغيبهم في الإسلام، وتحبيبه إليهم، ودفع الزكاة للغارمين سببٌ في تفريج ما هم فيه من كربٍ في الليل، وذلٍّ في النهار لمّا عليهم من ديون، كما أنّ في الزكاة نصرةً للإسلام، وعوناً للمجاهدين من أجل كفّ الظلم والعدوان عن المسلمين، ومن محاسن الزكاة أيضاً أنّ فيها إسعافاً لابن السبيل إذا انقطع به الزاد واحتاج المؤونة، فتواسيه في غربته وتدفع عنه حاجته، وأخيراً فإنّها سببٌ عظيمٌ في نشر المودة، والألفة، والترابط بين المسلمين، فقد جَبل الله النفوس على محبة من أحسن إليها.[٢]


زكاة المال المودع في البنك

تجب الزكاة على المسلم في ماله بشروطٍ معينةٍ، بيانها فيما يأتي:[٤][٥]

  • أن يبلغ مقدار ما لديه من النقود النصاب المحدّد للزكاة؛ وهو ما يساوي في قيمته خمسةٍ وثمانين جراماً من الذهب، أو خمسمئةٍ وخمسةٍ وتسعين جراماً من الفضة الخالصة.
  • أن يحول الحول على المال بعد بلوغه للنصاب، والحول المعتبر في الزكاة مرور سنةٍ قمريةٍ كاملةٍ من الزمان.

ويجب على المسلم أن يخرج زكاة ماله حتى وإن كان يستخدمه في قضاء حاجاته الأساسية؛ من مأكلٍ، وملبسٍ، ومسكنٍ، ونحوها، أو في الإنفاق على أمور بيته، وذلك لعموم أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالزكاة في قوله: (إذا كانَ لَكَ عِشرونَ ديناراً وحالَ علَيها الحَولُ فَفيها نِصفُ دينارٍ فَما زادَ فبِحسابِ ذلِكَ)،[٦] ولا يشترط لوجوب الزكاة في المال أن يكون فائضاً عن حاجة الإنسان،[٥] ويظهر من ذلك أنّ من ملك من المسلمين مالاً مُودعاً في البنك وقد بلغ نصاباً، أو يبلغ النصاب إذا أُضيف إليه ما يملكه من المال خارج البنك، أو ما يملكه من عروض التجارة، وحال على ماله الحول فلا بدّ له من أداء زكاته، ويكون أداؤها بإخراج رُبع العُشر من المال، وإذا كان يستخدم هذا المال بصورةٍ تُنقصه عن النصاب فلا زكاة فيه حينها.[٤]


حكم إيداع المال في البنوك وأخذ الفائدة فيه

لا يجوز للمسلم أن يضع أمواله في البنوك الربوية، ويستوي في ذلك إيداعه لها في حساب جارٍ دون فوائدٍ عليه، أو في حساب توفيرٍ تُضاف إليه الفوائد، ولا يُباح له ذلك إلّا إذا دعته الضرورة القصوى إليه، كأن يخشى على ماله من السرقة، أو التلف، ولا يجد بديلاً مباحاً عن المصارف الربوية كالمصارف الإسلامية، فله حينها أن يُودعها في حسابٍ جار تابعٍ لمصرفٍ ربوي، وفي حال أخذه لفائدةٍ ربويةٍ وجب عليه أن يتخلّص منها في وجوه الخير المختلفة، مع شعوره بالندم على فعل ذلك، والتوبة إلى الله -تعالى- عنه، كما عليه أن يعزم على عدم تكرار هذا الأمر في المستقبل، ولا يحِلّ له أن يأخذها بقصد إنفاقها على مصالح المسلمين؛ لأنّ الغاية السليمة لا تبرّر استخدام وسائلٍ محرّمةٍ، وقد دلّت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية على حُرمة الربا، فلا يجوز أخذه بهدف التصدّق به.[٧]

وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله -عزّ وجلّ- طيبٌ، فلا يقبل إلّا ما كان طيباً، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)،[٨] كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّ الصدقة من المال الحرام كالرّبا لا تُقبل من صاحبها، بل يأثم عليها، فقد قال: (من اكتسب مالًا من مأْثَمٍ، فوصَل به رَحِمَه، أو تصدَّق به، أو أنفقَه في سبيل اللهِ ، جُمِعَ ذلك كلُّه جميعًا، فقُذِفَ به في جهنَّمَ).[٩].[٧]


المراجع

  1. سورة النور، آية: 54.
  2. ^ أ ب الشيخ عبد الله بن صالح القصيِّر (2017-8-2)، "الحكمة من مشروعية الزكاة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-3. بتصرّف.
  3. سورة سبأ، آية: 39.
  4. ^ أ ب "زكاة المال المودع في البنك الذي يؤخذ منه ويزاد"، www.fatwa.islamweb.net، 2015-9-29، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-3. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "زكاة المال المدخر في البنك"، www.islamqa.info، 2006-10-13، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-3. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 1573، صحيح.
  7. ^ أ ب "حكم إيداع المال في البنك بدون فائدة"، www.ar.islamway.net، 2009-4-4، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-3. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية: 267.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن القاسم بن مخيمرة، الصفحة أو الرقم: 1721، حسن لغيره.
166 مشاهدة