الظلم
إنّ الظلم منكرٌ عظيمٌ، تتكوّن بسببه المصائب الكبيرة، ويضيع فيه العدل بين الناس، وهو سببٌ لاضطراب حياتهم، إذ إنّه وضع الشيء في غير محلّه، وقد حرّمه الله -تعالى- لأجل ما يسبّبه من مضارٍ وأخطارٍ ومفاسدٍ، فقد حرّمه الله على نفسه، وجعله بين عباده محرّماً، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربّه: (يا عبادي، إنّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظَّالموا)،[١] فالله -تعالى- حرّمه على نفسه لأنّه العادل، وحرّمه بين عباده حفاظاً عليهم في دينهم ودنياهم، والظلم من الأمور التي يعجّل الله في عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، وحذّر الله -تعالى- عباده من الوقوع في الظلم، وأخبر بأنّ هلاك الأمم السابقة كان بسبب ظلمهم لأنفسهم، وللظلم درجاتٌ وأنواعٌ، أشدّها ما يتعلّق بظلم الله تعالى، حين ينكر الإنسان وجود الله، أو ينفي صفةً من صفاته، أو يستهزئ فيما يتعلّق به، حيث قال لقمان الحكيم مُوصياً ابنه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)،[٢] فمن مات وهو مشركٌ بالله تعالى؛ سيخلد في النار، ويدخل في الظلم ما يرتكبه العبد من المعاصي بينه وبين الله تعالى، والتي تكون فيما دون الشرك به، فتلك المعاصي إن يشأ الله -تعالى- يغفرها، ويتجاوز عنها، وإن يشأ يعذّب بها بقدرها، ومن أنواع الظلم ما يكون بين العباد بعضهم بعضاً، وله صورٌ متعددةٌ ومتنوعةٌ، أعظمها ما يكون في الاعتداء على مَن لا حيلة لهم، لاسترداد حقوقهم، وكذلك قد يؤخّر الله -تعالى- عقوبة الظالمين إلى أجلٍ لا يعلمه إلّا هو، فعقوبات الله سنةٌ من سننه، التي لا تتغيّر ولا تتبدّل.[٣]
الوسائل المُعينة على الصبر
تتعدّد الوسائل التي تُعين المسلم على الصبر على البلاء، ومن تلك الابتلاءات الظلم، وفيما يأتي بيان لتلك الوسائل بشكلٍ مفصلٍ:[٤]
- علم العبد بأنّ الله -تعالى- قد ارتضى ذلك، واختاره له، ومن كمال عبوديته لله تعالى أن يرضى بما رضيه الله -تعالى- له، ويعلم بأنّ ذلك كالدواء الذي يتضمّن الشفاء والصحة والعافية، وزوال المرض، فيصبر على تجرّعه، ولا يتذمّر منه؛ فلا يستفيد، ويذهب نفعه هباءً؛ حيث لا تتحصّل تلك النتائج إلّا بذلك الدواء، وكذلك إنّ الله عليمٌ رحيمٌ بعباده، ودليل ذلك قوله: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).[٥]
- يربّي الله عباده على السرّاء والضرّاء، ويستخرج منهم العباد الحقيقيين من تلك الأحوال، فالذي يقوم بحقّ الله تعالى على اختلاف الأحوال؛ من النعمة والبلاء، يختلف عن الذي يقوم بحقّ الله -تعالى- في النعمة فقط.
- إنّ كلّ ما يصيب الإنسان مقدّرٌ من الله تعالى، حيث قال: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).[٦]
- تذكّر الإنسان أنّ أعظم المصائب التي أصابت الأمة الإسلامية هي موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- أن يعلم الإنسان بأنّ ابتلاء الله -تعالى- له ما هو إلّا امتحانٌ منه؛ لاختبار صبره، وأن يعلم أيضاً بأنّ مرارة الدنيا هي حلاوة الآخرة.
- الشهادة بأنّ الله -تعالى- وحده هو الذي خلق العباد، وخلق جميع أفعالهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وما وقع منهم ما كان إلّا بإرادته، وما العباد سوى آلآتٌ تنفّذ إرادة الله تعالى، فبذلك يطمئن ويرتاح.
- الاطلاع على ذنوبه، والعلم بأنّ ما أصابه ما كان إلّا بسبب نفسه أولاً، حيث قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).[٧]
- تذكّر الإنسان الأجر من الله تعالى، والثواب الذي أعدّه لمن عفا وأصلح وصبر، وما يعود عليه من سلامة قلبه تجاه إخوانه.
- الانتقام للنفس يزيد داخل العبد الذلّ والانكسار، وعكسه العفو الصفح، ويصدق ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلّا عزّاً).[٨]
- إنّ اشتغال الإنسان بالانتقام ممّا يفوّت عليه الكثير من المصالح، التي لا يُمكن إدراكها.
- إنّ صبر الإنسان على من ظلمه وآذاه، يُوجب رجوع خصمه عن ذلك الظلم، وندمه عليه.
الصبر
إنّ الصبر منزلةٌ عاليةٌ ورتبةٌ رفيعةٌ من الدين، ولولا الصبر لما قام الدين، ولأهميته في الإسلام، فقد تعدّدت النصوص الواردة فيه من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكما قال الإمام أحمد بأنّ الصبر قد ورد ذكره في القرآن أكثر من تسعين مرةً، وما ذلك إلّا لأهميته ومكانته، فجاء في الآيات الكريمة الأمر بالصبر، والتحذير من ضدّه، وبيان آثاره وثماره، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما أُعطِىَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسَعَ من الصبْرِ)،[٩] فهو من أوسع العطايا، وهو ضياءٌ لصاحبه يُعينه على تحمّل مشاقّ الدنيا والسير فيها، فضلاً عمّا يناله صاحبه يوم القيامة، والصبر ضرورةٌ للقيام بأيّ عملٍ من الأعمال، وأيّ طاعةٍ من الطاعات، فلا يقدر الإنسان على أداء العبادات والبعد عن المعاصي والمنكرات إن لم يكن متحلّياً بالصبر، ومن أنواع الصبر: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله تعالى، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فيمنع الإنسان نفسه من الوقوع في كلّ ما لا يرضى عنه الله، وعن وقوعه في المصائب والآلام؛ فلا يتلفّظ بالقول الحرام، ولا يفعل الفعل الحرام، وإنّما يدرّب الإنسان نفسه على التحلّي بالصبر، ويعلم بأنّ كلّ ما يصيبه من الله تعالى، كما قال: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[١٠] فيرضى بما أصابه، ويسلّم أمره لله.[١١]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2577، صحيح.
- ↑ سورة لقمان، آية: 13.
- ↑ فهد الصالح (26-3-2018)، "الظلم وعواقبه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "الوسائل المعينة على الصبر"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 216.
- ↑ سورة الحديد، آية: 22.
- ↑ سورة الشورى، آية: 30.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5809، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 5819، صحيح.
- ↑ سورة التغابن، آية: 11.
- ↑ عبد الرزاق البدر (18-9-2010)، "أهمية الصبر وفضله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.