قوم نوح عليه السلام
عكف قوم نوح على عبادة الأوثان والأصنام، واتّخذوا منها آلهةً يرجعون إليها في كل مطالبهم، فكانوا يرجون منها الخير، ويطلبون منها دفع الشرّ، فعبدوها من دون الله، ولمّا بعث الله نوحاً -عليه السلام- إلى قومه كانت وظيفته أن ينذرهم بعذاب الله إذا ما استمرّوا في عبادة تلك الأصنام، وتمادوا في الضّلال والفجور، لكنّهم كذّبوه، وعارضوه، واحتقروه، ورموه بالجنون والسّفاهة، حتّى أوحى له الله -سبحانه وتعالى- أنّه لن يُؤمن به من قومه غير من آمنوا، حينها دعا نوح -عليه السّلام- الله أن يُهلكهم، فاستجاب الله دعوة نبيّه، وجاء الأمر السماويّ بأنّ عقوبة قوم نوح ستكون بالطوفان العظيم، وأنجى الله نوحاً والذين آمنوا معه، فما قصّة قوم نوح منذ البداية وقبل أن يُرسَل إليهم نوح بالنبوّة والرّسالة؟
قوم نوح قبل بعثه
بعد أن نزل آدم إلى الأرض، كان الناس من أبنائه ونسله يتَّبعون الشرائع التي يعلِّمها لهم آدم عليه السلام، حتّى إذا مات وانقطعت الرّسالات بعده استمرَّ نسله على هديه من توحيد الله، والسّير على شريعته، فلمّا كثُر القوم وطال عليهم الأمد بعده ظهر الشرك فيهم، فعبدوا الأصنام من دون الله وجعلوا لها أسماء معينة، وقد ذكر علماء التفسير ذلك وفصَّلوا فيه، قال الله سبحانه وتعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)،[١] وقد ورد في تفسير هذه الآية أنّ هذه الأسماء هي أسماء للصّالحين من قومهم الذين ماتوا سابقاً، وكان لهم شأن في قومهم، فلمّا ماتوا حزِن الناس عليهم حُزناً شديداً، فزيّن لهم الشيطان صُنع تماثيل على صورة هؤلاء الرجال الصالحين؛ ليتذكّروهم.[٢]
وفي تلك الفترة لم تكن الغاية من صُنع تلك التماثيل عبادتها بل تذكّر الصّالحين من القوم، فلمّا تغيَّر الجيل وتوفّي الذين عاصروا هؤلاء الصّالحين وجاء أحفادهم، جاءهم الشيطان فأوحى لهم أنّ أجدادهم كانوا يعبدون هذه الأصنام من دون الله، فأطاعوه وعبدوها، وقد كان بين نبيّ الله آدم ومبعث نوح -عليهما السّلام- عشرة قرون، فلمّا انحرف القوم وضلّوا وطغوا، وزاد غلوّهم في تقديس تماثيل الصالحين حتّى باتوا يعبدونها من دون الله، أرسل الله نوحاً عليه السلام؛ ليكون لهم هادياً ونذيراً.[٢]
قوم نوح بعد بعثه
لم يعبد سيّدنا نوح -عليه السّلام- الأصنام كما فعل قومه، فقد كان مثل كلّ أنبياء الله تعالى على الفطرة، مؤمناً صالحاً، وعندما أُرسِل نوح -عليه السّلام- إلى قومه لدعوتهم إلى عبادة الله وتوحيده، وكانوا قد عكفوا على عبادة الأصنام من دون الله، حينها بدأ نوح بدعوة قومه بشتّى أساليب الدعوة وطُرُقها، فكان يُخاطب عقولهم حيناً، وكان يُنذرهم في أحيان أخرى.[٣]
لم يستجب لنوح -عليه السّلام- ولم يؤمن بدعوته إلا ضُعَفاء القوم وفُقَراؤهم؛ إذ شعروا بعَظَمة الله تعالى ورحمته، أمّا بقيّة قوم نوح من العلية والأغنياء فسخروا منه وكذّبوه وآذوه، ولم يُصدّقوا ما جاء به من عند الله، ومع استمرار نوح في دعوتهم لترك ما كان يعبد آباؤهم، إلا أنّهم لم يستجيبوا له، وقد اشترطوا عليه أن يطرد من آمن معه من الفقراء، وكانت حجّتهم في ذلك أنّهم لا يُريدون أن تضمّهم دعوة واحدة مع الفقراء، إلا أنّ نوحاً -عليه السّلام- لم يستجب لهم،[٣] وقد قال تعالى: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ*قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ*وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ).[٤]
وقد استمرَّ نوح -عليه السّلام- على تلك الحال بين الدّعوة بالحُسنى، والتّخويف بعذاب الله، رغم أنّ قومه أظهروا له العداوة وتوعّدوه بالرّجم، إلا أنّه تهديداتهم لم تُخِفه، فبقي صامداً، واستمرّ في دعوته ألف سنةٍ إلا خمسين لم يكِلّ ولم يملّ فيها؛ ورغم أنّه أصبح شيخاً ورغم استمرار قومه في ضربه حتّى يسقط أرضاً -ظانّين بعدها أنّه قد مات- إلا أنّه بقي ثابتاً، وكان يخرج في اليوم التالي يدعوهم ويُنذرهم؛ وذلك لحبّه لقومه، وخوفه عليهم من عذاب الله، وكلّما جاء جيل من بعد جيل من قومه كان بعضهم يُحذّر الآخرين ألا يُصغوا إليه ولا يؤمنوا به، ورموه بالجنون والسفاهة.[٣]
هلاك قوم نوح
بعد صبر نوح على قومه، وثباته على دعوة قومه رغم صدودهم وتعذيبهم له، أوحى الله تعالى له أنّه لن يُؤمن من القوم غير من آمنوا معه، ولمّا أيقن سيّدنا نوح أنّه مهما فعل فلن يستجيب غير من آمنوا، دعا نوحٌ ربه أن يُعجِّل بعذابهم، وأن يُهلكهم ولا يترك منهم أحداً لا يؤمن بالله، حتّى لا يُضلّوا أحداً بعدهم، قال تعالى على لسان نوح: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا*إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)،[٥] فاستجاب له ربّه، وأمره أن يصنع السفينة، فعاقبهم الله تعالى بما كذَّبوا بأن أرسل الماء مطراً، وفجَّر الأرض ينابيع، وارتفعت الأمواج حتى غُمِرت الأرض بالمياه، ولم ينجُ منهم إلا من كان مع نوح في السفينة التي صنعها بأمر الله.[٣][٦]
أمّا السفينة التي صنعها نوح -عليه السّلام- بأمر ربّه، فقد حمل فيها كلّ من آمن بالله تعالى، كما حمل فيها أزواجاً من كلّ شيءٍ حيٍّ على وجه الأرض من حيوان ونبات وطير؛ ليستمرّ نسلها ولا تنقرض مع الطوفان، وقد كان فيمن كفر بنوح -عليه السلام- أحد أبنائه وإحدى زوجاته، فغرقوا فيمن غرق، وشفقةً من نوح -عليه السلام- على ابنه فقد سأل الله أن يُنجيَه من الغرق فهو من أهله؛ فكان جواب الله له أنّه ليس من أهله ما دام على الكفر، قال تعالى: (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ*قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)،[٧] وبعد أن هلك جميع من كفر بنوح غرقاً، أمر الله السماء فتوقف المطر عن الانهمار، وأمر الأرض فابتلعت الينابيع مياهها، ورست السفينة على جبل الجوديّ بمن فيها ممّن آمن مع نوح.[٦]
المراجع
- ↑ سورة نوح، آية: 23.
- ^ أ ب "سبب انحراف بني آدم عن التوحيد"، www.fatwa.islamweb.net، 29-6-2003، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث هبة بنت أحمد أبو شوشة (17-2-2015)، "قصة سيدنا نوح عليه السلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 27، 28، 29.
- ↑ سورة نوح، آية: 26، 27.
- ^ أ ب "نوح عليه السلام"، www.islamqa.info، 24-3-2001، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 45، 46.