محتويات
نظرة المجتمعات إلى المرأة
تُشكِّلُ قضايا المرأة في العالم مِحوَراً استراتيجيّاً وحقوقياً متعدِّد الاهتماماتِ والطُّروحات؛ إذ يُنظَر لقضيَّتها بعينِ التحضُّر والتمدُّنِ والعدالة. أصبحت موازين التقدُّم وإشاراتُ الحقوقيين تنسحبُ على سلوكاتِ الدولِ وشعوبها ومعاملتهم للمرأة من شتَّى جوانب الحياة، وليست قضيَّةُ المرأة في اهتمامِ العالمِ مجرَّد مُحاضراتٍ أكاديميَّةٍ أو رسائل بحثيَّة أو موضوعاتٍ تنموية، إنَّما هي أساسٌ وركيزةٌ تحدّثت عنها العديد من التحليلاتِ والأحكام الدولية أو المجتمعية.
يُركِّزُ الإسلام في جميعِ تعاليمه وأحكامه على سلامةِ أمر المرأة ورفعة شأنها وتعزيز مكانتها وقدرها، وكان اهتمام الإسلام بقضايا المرأةِ سبَّاقاً ونوعياً؛ إذ إنّه أشار إلى تفاصيل الحقوق وعمومها، فلم يترك قضيَّةً مغلقةً ولا جزئيَّة معلَّقة في حقوق المرأة إلا أنصفها وأسهب في شرحها وتعميمها.[١]
حقوق المرأة
كفلت قوانين العالم المعاصر ومنظّماته حقوق المرأة ورعاية شؤونها، فسنَّت القوانين النَّاظمة لمعاملاتها وخصوصيَّاتِها وأنزلتها منازل متقدَّمةً مقارنةً بما مرَّت به المرأة في العصورِ السابقة، واستطاعت الدُّول والمؤسسات الكبرى والمنظّمات الحقوقيَّة انتزاع العَديد من الحقوق التي كانت المرأة مسلوبةً منها قديماً، ليصارَ إلى تشريع القوانين المُعاقبة لمن يَتعدّى شؤون المرأة ويقترف في حقوقِها ذنباً أو تعدٍّ أو إجحاف، والإسلامُ بعدالته كان الأسبق في توضيح دور المرأة وإثباتِ حقوقها وتشريع الأحكام وإقامة الحدود إكراماً للمرأة وحفظاً لها وتأكيداً لدورها في الحياةِ العامَّة والدَّعوة وبناء المجتمع.[١]
حقوق المرأة وفق الأنظمة والمنظّمات العالمية
كانَ للمنظَّماتِ الدولية والعالمية الراعية لحقوقِ الإنسانِ دورٌ بارزٌ في سنِّ التشريعاتِ المُنصِفة للمرأة على المستوى الدولي الحديث، وتنظيمِ تلك التشريعات ومتابعتها، وضمانِ تطبيقها والالتزامِ بإنفاذها، فمن خلال اتفاقيات تلك المُنظَّمات كالأمم المتحدة وغيرها أُلزمت العديد من دول العالمِ بمراعاةِ المرأةِ وفرضِ حقوقها من خلال الاتفاقيات التي تُوقعها تلك الدول مع هذه المُنظَّمات، ومن الحقوق التي أقرَّتها الأنظمة العالمية ما جاءت به قوانين الأسرة والتنظيم العائلي في الدول الأوروبيَّة التي ساوت بين حقوق المرأة والرَّجلِ في معظم الحقوقِ الشَّخصيَّة والتَّجنيسِ والحقوقِ المفروضة على الأبناء، ومن ذلك مثلاً:[٢]
- يحقُّ للمرأة اختيار ديانتها واختيار عملها.
- تتساوى المرأة مع الرجل في حق الاقتراض دون طلب الإذن من شريك الزَّواج، كما يحقُّ لها تغيير جنسيَّتها.
- للمرأة الحق في شغر الوظائف والمناصب الرسمية.
حقوق المرأة المُكتسبة من خلال المنظّمات والاتفاقيات
أولت المنظماتُ العالميّة والاتفاقيات والهيئاتُ اهتماماً بالغاً بحقوقِ المرأة وآلياتِ تفعيل تلك الحقوق، وتنوَّعَ اهتمام هذه المنظماتِ بجوانب الحياة السياسيَّة والثقافية والاجتماعيَّة وحتى التربوية، ويبدو اهتمام المُنظّمات العالمية فعلياً في حجم الفعاليات التي تقامُ سنوياً بهدف تسليط الضوء على المُكتسبات والمخاطر التي تواجه حياة المرأة وحريتها، وقد أثمرت جهود هذه المنظّمات قراراتٍ مهمَّة من خلال المؤتمرات والوثائق والتعهدات، حيث شهد العالم تغيُّراتٍ مستمرة في حريات المرأة ودعمها على المستويات المختلفة، كما في إقرارِ مجموعة القرارات المتعلّقة بحقوقها السياسية من خلال مؤتمر حقوق المرأة السياسية المقام سنة 1952م والذي كانت ترعاه مُنظّمة الأمم المتحدة، كما قدمت اتفاقيَّة المرأة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إقرار حقوق داعمة للمرأة في جوانب الأسرة والتشاركية العائلية والحقوق التربوية وغيرها، فيما تبرز أهميَّة مثل هذه القرارات في تحرير المرأة من التبعية والاستغلال لتفتح لها آفاقاً أوسع في اختيار الحياة السعيدة والتعليم والزواج والعمل وغير ذلك من جوانب حياتها الشخصية.[٣][٤][٥]
حقوق المرأة في الإسلام
على الرّغم من حجم الجهود المبذولة عالمياً في سبيل إنصاف المرأة ورِعايتها وتَحريرها من قيود التذلّل والامتهان والعبوديّة، وما لحقته من آثارٍ وشوائب وعادات مجتمعيّة متغلغلة على مستوى العالمين الحديث والمتأخر، إلا أنَّ ما تَحصَّل لها من حقوقٍ لم يُحقّق لها صدق الاعتبار وميزان العدالة والإنصاف.[٦]
بقيت نظرة العالم لتحرير المرأة نظرةً قاصرةً تهتمُّ بجوانبَ متشعبّةٍ وتُهمل اختياراتِ المرأة ذاتها وما تُناسبها من حقوقٍ تحفظ كرامتها وتصون عزتها وكبريائها، وإن كانت كل تلك النشاطاتِ المبذولة غفلت عن جوهر الحريَّة والحقوق، إلا أن الإسلام لم يغفل، فكانت تشريعاته وقوانينه المخصوصة للنساءِ أعظم ممّا كانت تطلبه المرأة لذاتها أو ما كانت تتخيله، فحرَّرها من العبوديَّات والماديَّاتِ التي كانت محسوبةً عليها؛ إذ كانت النظرة التاريخيّة إلى المرأة لا تُجاوز حدود المتاع والاستمتاع، فخلَّصها الإسلام من مقام العار والاستعباد ليرفعها إلى مقامِ التَّشريفِ والتكريمِ والعدالة.
نظَّم الإسلامُ علاقاتِ المَرأة وتعاملاتها مع الرّجل ليجعلها سكينة الرجل وبركته، وشرَّفَ ارتباطه بها لتَكون له طهراً وأماناً لا خزياً وابتذالاً، وتعدَّدت الحقوقُ التي كرَّم الإسلام بها المرأة، فكانَ من حقوقها التي كفلها لها الإسلام الآتي:[٦]
- الحريَّة: ضمن الإسلام للمرأة حريّتها؛ حيث حرَّم الرقَّ ونبذه وحطَّمه، وجعل المرأة سيّدة نفسها ومالكة رأيها، وجَرَّدها من حقِّ استعبادها والتصرُّف بها كسلعةٍ تُباع وتشترى، ثمَّ جَعلها صاحبة الاختيار فيما يخصُّ أمور حياتها، فمَنحها حقَّ اختيار الديانة والعقيدة والرأي، فكان بذلك أوَّل من حقَّق لها حريَّتها وقوتها.
- المساواة: يَبرز دور الإسلام في تحقيق حقّ المساواة من خلال تحرير المرأة من سلطة الرجل إلّا ممّا كان له به حقٌّ شرعيٌّ وعليها به واجب، ويُقابل ذلك ضمان حقوقها على الرجل وتوجيب تلك الحقوقِ عليه.
- حق التعليم: دلَّت نصوصُ السيرةِ النبويةِ على حقِّ المرأة في التعليم في أكثر من موضع، منها ما (رُوي عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام حيث قال: أيما رجلٍ كانتْ عندَه وليدةٌ، فعلَّمها فأحسنَ تعليمَها، وأدَّبها فأحسنَ تأديبَها، ثم أعتَقها وتزوَّجها فله أجرانِ، وأيُّما رجلٍ مِن أهلِ الكتابِ، آمَن بنبيّه وآمَن بي فله أجرانِ، وأيُّما مملوكٍ أدَّى حقَّ مواليه وحقَّ ربِّه فله أجرانِ)[٧]
- حق العمل: حرص الإسلامُ على التيسير في كلّ الأمور الحياتية، وأجزل ذلك في حقّ المرأة في العمل والكسب وإدراك الرزق لما في ذلك من حِفظٍ لكرامتها وأمانٍ لمَعيشتها، وقد صان الإسلام حقوق المرأة المدنيَّة في جوانب حياتها الاقتصاديَّة والعملية والمهنيَّة وما يتحقَّق فيه استقرارها وأمنها ويمنع عنها الذلَّ والامتهان.
- حقُّ المرأة في الزَّواج: حضَّت الشريعة الإسلاميَّة على بناء الأسرة والمجتمع بأحسن ما يكون من متانة البناء وتماسكه، وإنما يتحقَّق ذلك برغبة الطَّرفين ورضاهما؛ حيث إنّ الرجل يخطب لنفسه ويختار، فالمَرأة أيضاً صاحبةُ حقٍ في الاختيار والقبول أو الرفض، ولا يتوقَّف حقُّها عند جزئيّة الإقرار أو الرفض، إنّما يتعدَّى ذلك لأن تختار من تجده مُناسباً لحياتها ومُعيناً لها على دينها ودنياها، ولها أيضاً حقُّ إنهاء الزَّواجِ بما شرع الله لها من مُبرّرات الطلاق، وبذلك فقد ضمنَ الإسلام للمرأة أمنها وكَرامتها في سنّة الزواج وحالة الطلاق.
فيديو عن حقوق المرأة
المراجع
- ^ أ ب روضة منشي (1431هـ)، دور المرأة المسلمة في التنمية في ضوء الاتجاهات المعاصرة وتطبيقاتها التربوية في مجال الأسرة المنتجة، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، صفحة 1-3.
- ↑ د.سرور طالبي المل، حقوق المرأة في الدول العربية خلال إصلاحات 2000 – 2008، صفحة 142، 143. بتصرّف.
- ↑ "Women Rights Are HUMAN RIGHTS"، united nation HUMAN RIGHTS، HUMAN RIGHTS، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2017.
- ↑ "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، unicef، 18-12-1979، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2017.
- ↑ د. سرور طالبي (2014)، حقوق المرأة في الدول العربية خلال اصلاحات2000-2008، طرابلس-لبنان: مركز جيل البحث العلمي، صفحة 114،121،122.
- ^ أ ب نجاة المريني (1-4-1995)، "حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية"، دعوة الحق، العدد 309-310، صفحة 18-21.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 5083،