المولد النبوي الشريف
يعتبر المولد النبوي يوماً يحتفل به المسلمون لتذكر اليوم الذي جاء فيه أشرف الخلق والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث وُلد النبي محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، والمولد النبوي ليس عيداً من أعياد المسلمين بل هو يوم يفرح فيه المسلمين ويخلدون ذكرى اليوم الذي جاء به منقذ البشريّة من الظلام إلى النور والهدى، وتكون الاحتفالات في كلّ الدول الإسلاميّة بكلّ الطرق، من توزيع الحلوى وإنشاد الأناشيد الإسلاميّة وقصائد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإعطاء دروس عن حياته في دور المساجد، وفي الكثير من الدول مثل فلسطين، والأردن، والجزائر، وتونس، والعراق، ومصر وغيرها يعتبر هذا اليوم يوم عطلة رسميّة.
تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم كلّ اثنين من كلّ أسبوع وكان يقول: (ذاك يومٌ وُلدتُ فيه. ويومُ بُعثتُ -أو أُنزلَ عليَّ فيه-) [صحيح]، ولهذا يعدّ المسلمون هذا اليوم يوماً مميزاً، وذكر الإمام السيوطي أنّ حاكم إربيل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين هو أول من احتفل بالمولد النبوي، وفيما يأتي سرد لبعض الاحتفالات في هذا اليوم على مر العصور.
الدولة الفاطميّة
يعد الفاطميون أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف وذلك حسب الأستاذ حسن السندوبي، وكانوا يحتفلون بالكثير من الموالد كلّ في موسمه، وفي عام 488 هجري وفي ظلّ خلافة المستعلي بالله أمر الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي إبطال كلّ الموالد وإبطال الاحتفال بها، وهذه الموالد هي: المولد النبوي الشريف، ومولد الإمام علي، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الإمام الفاطمي الحاضر، وقيل إنّ الاحتفال في الدولة الفاطميّة اقتصر على عمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات بعد أن كان يتم من خلال موكب قاضي القضاة الذي يحمل الحلوى ويتجه إلى الجامع الأزهر ومن بعده إلى قصر الخلافة لإلقاء الخطب والقصائد.
الدولة الأيوبيّة
يعدّ الملك مظفر الدين كوكبوري أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وكان الاحتفال يتم كلّ سنة وبصورة كبيرة يصرف عليها الكثير من المال والخيرات، وبلغت الأموال التي تنفق كلّ سنة على الاحتفال حوالي 300 ألف دينار، وكان يأتي الاحتفال عدد كبير من الشعراء والخطباء والفقهاء من إربيل والموصل وغيرها، وكان الاحتفال بالمولد يتم في سنة بتاريخ 8 ربيع الأول وفي السنة التالية في 12 ربيع الأول؛ وذلك لمراعاة الاختلاف في تاريخ الميلاد النبوي الشريف، وكانت تذبح الأبقار والأغنام وتطبخ وتقام الموائد ويجتمع الأعيان والجنود.
الدولة العثمانيّة
يعدّ سلاطين الدولة العثمانيّة من أكثر السلاطين الذين اهتموا بالاحتفالات بكلّ الأعياد والمناسبات التي تخص المسلمين، مثل المولد النبوي الشريف، وكان الاحتفال يتم في جامع كبير يختاره السلطان، وفي عهد السلطان عبد الحميد االثاني كان الاحتفال في الجامع الحميدي فقط، وكان الناس والأعيان وكبراء الدولة يحضرون إلى أمام الجامع في ليلة 12 ربيع الأول وينتظرون أن يهل عليهم السلطان راكباً جواده وعلى سرج من الذهب الخالص وهو محاط بموكب ضخم، ويسير الجميع وراء السلطان ويدخلوا الجامع، وتبدأ الاحتفالات بقراءة القرآن، ثمّ سرد قصص من السيرة النبوية الشريفة، ثمّ إنشاد بعض الأناشيد الإسلامية والقصائد التي تمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
المغرب الأقصى
كان للمولد النبوي في المغرب الأقصى مكانة كبيرة، خصوصاً في عهد السلطان أحمد المنصور، وكان للاحتفال ترتيبات خاصة في عهده، فكان بمجرد دخول شهر ربيع الأول يجمع المؤذنين من أرض المغرب، ويأمر بحياكة أبهى االمطرزات، وفي فجر يوم المولد كان يصلي بالناس ثمّ يجلي على كرسيه ويأتي الناس لتلقي المواعظ وقصص النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثمّ يقدم الطعام للناس.
في العصر الحالي
يلاقي المولد النبوي في عصرنا الحالي اهتماماً خاصاً، حيث أصبح يوم عطلة رسميّة في كثير من الدول، كما أنّ الكثير من الدول تخرج للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشوارع، ويحرج الناس ليصنعون الحلوى ويوزعونها ويوزعون الصدقات على الفقراء، كما تُعقد في المساجد حلقات لسرد قصص من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويتم بث الأناشيد على قنوات التلفاز.