شغف المطالعة
تُشكِّل المطالعة شغفاً عند الكثير من العقول التي تهتمّ دائماً بالحصول على المزيد من العلم والثقافة، ومعرفة كلّ ما هو جديد في هذا العالم، فلا اعتبار للأبنية العالية ولا التطور التكنولوجي المدهش إن لم يكن الإنسان ذا عقلٍ فطِن ونيِّرٍ وناضجٍ وسليم، بعيدٍ عن كلِّ تداعيات الجهلِ الذي يعاني منها الكثير، وهذا ما لا يمكن أن يكون إلا نتيجة القراءة والمُطالعة لأنّها الطريقة الأنسب لبناء العقول وإنمائها، وللمُطالعة أهميّة كبيرة في حياة الإنسان في نواحٍ أخرى تظهر في أمورٍ عديدة، فما هي المطالعة، وما هي أهميتها؟
مفهوم المطالعة
المطالعة عمليّة فكريّة بحتة، تُحدِثُ تفاعلاً مع القارئ ليقرأ بأسلوبٍ صحيحٍ يتّبعه فهمٌ ونقدٌ، ويوظّف ذلك في الانتفاعِ بها بمُختلف مواقف الحياة ومواجهة المشاكل وحلِّها.[١]
تُعدُّ المُطالعة أحد أهمّ أدواتِ الحصول على المعرفة؛ فهي تتيح للإنسان اتّصالاً مُباشراً بالمعارف والعلوم الإنسانية حاضراً وماضياً، وهي من أهمّ وسائل تواصل الإنسان مع أفكار الآخرين وعقولهم، كما أنّها غذاءٌ ورافدٌ للروح والعقل، ونافذةٌ مُشرّعة تجاه العالم لأخذ المعرفة وكسب العلوم.[٢]
أهميّة المطالعة
للمطالعةِ أهميّة كبيرة في حياة الإنسان، وقد أكدّ الله عزوجل على أهميّتها عندما خاطب نبيه لأوّل مرّة عبر الوحي بقوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).[٣]
ودون القراءة والمُطالعة لا يمكن فهم أيّ عقيدة ليرتبط بها الإنسانُ ويؤمن بها، ولن يستطيع الإنسان كذلك الشعور بمعنى الحرية، ولن يمتلك معارف جديدة، لن يُعمّر وطناً ولن يُطوّر أمّة، فإنّ المجتمع الذي لا يقرأ ويُطالع لن يعرف قيمة نفسه ولا مكانته ولن يعرف قدر غيره. إنّ القراءة والمُطالعة هي ما تُنبّه الإنسان لتقول له أن ينظُر لآثار من سبقوه، ويرى إلى أين وصلوا ووصل العالم أجمع، ليعرفَ كيف يمشي خطاه ويأتيَ بكُلّ جديد، دون أن يُكرّر الأخطاء ويُذهِب الجهود.[٤]
ويُمكن إجمال تلك الأهمية بالآتي:
- هي الركيزة الأساسيّة لأي علم، ومفتاحُ عبورٍ يصل الإنسانَ بممتلكات الأفراد الفكريّة.[٥]
- تعدُّ المَنفذ الذي يُطلع الإنسان على هذا العالم ليرى منها كلّ العلوم والأحياء والحياة.[٥]
- تعدُّ أداةً لمعرفة الصّواب في مُختلف القضايا؛ فهي تعرض على القارئ الكثير من المواضيع الشائكة التي يُحبّذ الإطلاع عليها ومعرفة صوابها.[٦]
- تُمنحُ القارئ صورةً من صور التّعلم الذاتيّ، وتُطوّر لديه هذه المهارة التي تُعدّ من أساسيّات مُواكبة العصر.[٥]
- تعدُّ ظاهرةً مُتفرّدةً للإنسانِ دون غيره، كما أنّها ضروريّة لارتقائه، ويُعدُّ تعبُ الإنسان وبذله للجهدِ فيها ذا منفعةٍ كبيرةٍ حتّى يتحلّى بالإنسانية ويُحقق هدف خلقه.[٥]
- تعدُّ من عوامل الازدهار البشري ومعرفة المستقبل واستكشافه، ولا تقدّم وتطوّر المجتمع دونَ أنْ يكون أساسه إنماء الوعي لدى الجمهور والعامّة لمفهوم المطالعة والقراءة، لتكون قيمةً حضاريةً بأدواتٍ وآلياتٍ محددة.[٥]
- تتميّز عن غيرها بأنّها باقية ولا تفنى، أي دائمة الامتلاك، كما أنّها لا تُقيّد الإنسان بل تمنحه حريّة اختيارها.[٥]
- تعدُّ متعةً كبيرةً تتوافر للإنسانِ بثمنٍ زهيد، كما أنّها لا تُحدّد الإنسان بمكانٍ أو زمانٍ مُعيّنين، بل بإمكان الإنسان المطالعة والقراءة في أيّ وقتٍ شاء وفي أيّ مكانٍ كذلك.[٥]
- تُعدُّ من أهم الركائز لتأسيس الحضارة وبناءها وتطورها، فهي تُتيح للإنسان الاطّلاع على المجال الذي سيبدع فيه ويمدّه بالخبرة لتنفيذ ما يراه مناسباً في الواقع.[٥]
- توسّعُ أفقَ القارئ وتُبعده عن العالم الضّيق، فحين يحرصُ الإنسان على متابعة ومطالعة الجديد في أمور الحياة، فإنّ ذلك يوسّع آفاقه للتفكير والتمحيص والنظر في هذه العلوم.[٦]
- تمدُّ القارئ بخلفية لغوية كبيرة، وتُعدُّ أداةَ اتّصال لتعلُّم مُختلفَ الثّقافات الأخرى.[٥]
- تمنحُ القارئ فرصةً لاستغلال وقته واستثماره فيما ينفع.[٥]
- تُعدُّ من أهمّ أسباب عمارة وتطوير الأرض، وتمكِّن القارئ من الوصول للعلوم المفيدة حول ذلك.[٥]
- تمنحُ الإنسان الفرصة لامتلاك العلوم والمهارات المفيدة كالتفكير الناقد والتَّخيُّل، والتي تُعدّ الموقد المُحرّك لعقل الإنسان.[٥]
- تصقل شخصيّة القارئ وتقوّيها، وتمّده بالخبرة عبر ما يقرأه في الكتب عن حياة الآخرين وتجاربهم في كلّ المجالات.[٥]
من الجدير بالذّكر أنّه عند العُقلاء، تُعتبر المطالعة من أكثر الأهميّات والضّرورات سموّاً وأكبرَ قدراً، وأنّها تقتربُ أنْ توازي أهميّة الأكل والشُّرب عند الشغوفين المُحبّين لها ممّن عرفها حقّ معرفة وعرف منزلتها وشرفها. وهي في حياة عُلماء الدين والدُّنيا، كمنزلة الحياة بحدّ ذاتها، فإنّهم بها يحيون، كمثل الماء الذي يُشكّل حياة الأرض، ومثلُ المُطالعة عندهم كمثل الشّجرة الخضراء اليانعة التي تنوّعت أصنافها.[٧]
أهميّة المطالعة للأطفال
للمطالعة في حياة الأطفال أهميّة كبيرة، سواءً أكانت في حياتهم الأكاديميّة أم الحياتيّة المُختلفة. يُمكن ذكر بعض تلك الأهميّة بالآتي:[٧]
- تعدُّ من الأدوات والوسائل الهامّة لتطوير وبناء معرفتهم وقدراتهم ومهاراتهم.
- تفتح المجال أمامهم لتعليمهم وتثقيفهم من مُختلف النواحي الثقافيّة، والتربويّة، والترفيهيّة، والاجتماعيّة، والتعليميّة، وغيرها.
- تُشغِّل عقولهم بالأفكار التي يتعلّمونها والمعلومات التي يكتسبونها.
- لذلك فإنّه يجب على الوالدين والمدرسين والمربّين أن يُيسّروا درب المُطالعة أمام الأطفال، وتشجيعهم على ذلك بأي وسيلة ممكنة، خصوصاً بعد ثورة الإنترنت التي ألهتهم عن قضاء وقتهم فيما يفيد من الكتب والمعرفة، فقضوا أوقاتهم في اللهو واللعب دون أن يتعرّفوا أهميّة المطالعة ولا يتذوّقوا شغفها.[٧]
أقوال في أهميّة المطالعة
- سألوا الفيلسوف الفرنسي فولتير يوماً عن الذي سيزعم البشرية، فقال: (الذين يعرفون كيف يقرؤون).[٤]
- قال الرئيس الأمريكي جيفرسون: (إن الذين يقرؤون فقط هم الأحرار، ذلك أنّ القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألدّ أعداء الحرية).[٤]
- وعبّاس العقّاد قال يوماً: (لستُ أهوى القراءة لأكتبَ، ولا لأزداد عمْراً في تقدير الحساب؛ إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياةً واحدةً، وحياةٌ واحدةٌ لا تكفيني، ولا تحرّك كلّ ما في ضميري من بواعثِ الحركة).[٤]
- لو فتّش أحدهم التاريخ عن حياة الناجحين البارزين لرأى أنّهم ممّن كانوا قارئين ومُطالعين شغوفين يتبنّون ويتمثّلون الذي يُطالعون، ويُحسنونه من إضافاتهم الذاتيّة وأفكارهم، ممّا يقود للإبداع والنجاح.[٨]
- ↑ "تنمية ومهارات: كيف أطالع كتابا (1)"، جامعة آل البيت العالمية، 28-11-2016، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2017.
- ↑ د. بليغ حمدي إسماعيل، " حينما تستحيل الرموز الصامتة إلى أصوات تركض"، الوعي الإسلامي ، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2017.
- ↑ سورة العلق، آية: 1.
- ^ أ ب ت ث بشير خلف (27-9-2011)، "لماذا فشلنا في تدريب أبنائنا على استثمار القراءة؟"، الحوار المتمدن، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2017.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش أمين أمكاح (10-9-2015)، "القراءة عمارة العقول (1)"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2017.
- ^ أ ب "في لقاء حول " الكتاب المفضل عند القراء" - "ANEP" "، اللقاء، 24-8-2016، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2017.
- ^ أ ب ت عزت فرح (20-2-2014)، "أهمية المطالعة"، الجبهة، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2017.
- ↑ أ.محمد عدنان سالم (1996)، القراءة..أوّلاً (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر العربي، صفحة 38.